بقلم : زياد بهاء الدين
منذ حوالى ثلاثة أسابيع (يوم 11 يناير 2021) ودون ضجيج أو اهتمام إعلامى، صدرت أخيرًا اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى (المعروف باسم «قانون الجمعيات الأهلية»)، متضمنة الأحكام التفصيلية اللازمة لتطبيق القانون، الذى كان قد صدر منذ أكثر من عام ونصف العام، ولم يكن قد دخل حيز التنفيذ الكامل بسبب تأخر صدور هذه اللائحة.
ولأن اللوائح التنفيذية- من حيث المبدأ القانونى- لا يُفترض أن تأتى بأحكام موضوعية جديدة مخالفة أو متجاوزة للقانون الذى تصدر من أجل تنفيذه ووضعه موضع التطبيق العملى، فإن لائحة قانون الجمعيات الأهلية لم تأتِ بدورها بمفاجآت، وإنما التزمت بمضمون القانون وخطوطه العامة.
شخصيًا، كنت قد اعتبرت القانون وقت صدوره خطوة إيجابية استندت إلى حوار مجتمعى حقيقى، أدارته السيدة/ غادة والى، وزيرة التضامن السابقة، وتحملت مسؤوليته السياسية، وأنه تقدم كبير عن التشريع السابق عليه، الذى كان قد أغلق كل أبواب النشاط الأهلى. لذلك كنت ومازلت مقتنعًا بأن القانون الحالى، وإن لم يستجب لكل طلبات وطموحات المجتمع المدنى، إلا أنه تقدم كبير عما كان قائمًا، ويتيح مساحة كبيرة للحوار والنقاش والتفاوض، وهذا حال أى نشاط عام.
اللائحة التنفيذية كما قلت فصلت أحكام القانون وجاءت بالتفاصيل المطلوبة لتطبيقها، بما فى ذلك المستندات الواجب تقديمها مع كل خطوة إدارية ومن أجل الحصول على الموافقات المختلفة. وهنا لابد من القول بأن بعض هذه المتطلبات والمستندات كثيرة، ولا داعى إليها، وتمثل عبئًا إداريًا، مثلما هو الحال مثلًا بالنسبة لتسجيل بيانات الجمعيات، والترخيص لها بجمع المال، والتعاون مع جمعيات أخرى. ولكن فى المقابل فإن النص على هذه المستندات حصرًا- مهما كانت كثيرة- أفضل بلا شك من تركها مبهمة أو وفقًا للسلطة التقديرية للجهات المعنية لأن الغموض كان مصدر الكثير من التعسف فيما مضى، فلا بأس من كثرة المستندات إن كانت تؤدى إلى الشفافية والحد من التحكم والاجتهاد.
على أن أهم ما فى اللائحة هو موادها الأولى، التى تبين كيفية قيام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بتوفيق أوضاعها خلال المهلة الممنوحة لذلك، وهى سنة من تاريخ صدور اللائحة، أى قبل 11 يناير 2022. وهذا إجراء لا صعوبة فيه، ولا أتصور أن يكون معرقلًا لنشاط الغالبية العظمى من المنظمات الأهلية المصرية. الحكم الآخر الجدير بالاهتمام هو أن اللائحة تبين أيضًا كيفية توفيق أوضاع «الكيانات» الأخرى التى كانت تزاول أنشطة أهلية دون أن تتخذ شكل الجمعية أو المؤسسة المسجلة لدى وزارة التضامن الاجتماعى، كالشركات المدنية أو التجارية أو المكاتب المهنية، وهذه عليها أيضًا الالتزام بمدة السنة المحددة لتوفيق الأوضاع عن طريق التقدم بطلب تأسيس جديد.
المهم أن الباب مفتوح لتوفيق كل الأوضاع القديمة وفتح صفحة جديدة إذا أحسنت المنظمات الأهلية استغلال الفرصة وأقبلت على التعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى، وإذا تعاونت الجهات المعنية من جانبها مع مَن يرغب فى توفيق الأوضاع وقبلت بدورها تجاوز الخلافات السابقة والتعامل بحسن نية.
مشاكل المجتمع المدنى فى مصر لم تكن فقط فى القانون، وإنما فى التطبيق وفى التوجس وفى افتراض سوء النية. وإن كان القانون الجديد ولائحته قد قطعا شوطًا كبيرًا فى إزالة القيود القديمة وبعض التوتر وسوء العلاقات، فإن التطبيق السليم والثقة بين الأطراف هما الضمان الوحيد للاستمرار فى التقدم وفى تحقيق الاستفادة المنشودة للمجتمع كله من النشاط الأهلى.
والشكر ضرورى لكل مَن كافحوا لإخراجنا من الوضع السابق وللسيدة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، والوزيرة السابقة غادة والى.