توقيت القاهرة المحلي 20:18:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحرش الجنسي.. القانون والأخلاق

  مصر اليوم -

التحرش الجنسي القانون والأخلاق

بقلم : زياد بهاء الدين

المعارك التى تغير المجتمع للأفضل وتأتى بالحقوق الضائعة لا تُكسب من جولة واحدة ولا بالضربة القاضية، بل يكون التقدم فيها بطيئًا وتدريجيًا وتقابل كل خطوة فيها للأمام خطوة للخلف حتى يستقيم المسار وتترسخ المفاهيم الجديدة. ما سبق بمناسبة القضيتين المتداوَلتين على الساحة بعد تقدم عدد من الفتيات بشكاوى عن تعرضهن لتحرش جنسى وما صاحبه من تهديد وابتزاز وترويع. فى القضية الأولى قامت النيابة العامة بالقبض على المتهم والتحقيق معه ثم إحالته إلى المحاكمة الجنائية، وقد اعتبر المهتمون بالموضوع أن هذا مكسب كبير، وإن كنت أُذكِّر القراء بأن المتهم- أى متهم وفى أى قضية- برىء ما لم تثبت إدانته (وليس «حتى» تثبت إدانته كما يُقال أحيانًا).

أما فى القضية الثانية، متعددة الأطراف والأكثر تعقيدًا، فإن الوضع حتى الآن غير واضح. بعض المتهمين مقبوض عليهم، بينما آخرون لا يزالون هاربين، ودائرة التحقيق اتسعت لتشمل بعض مَن أبلغن عن الجريمة وفقًا للمتداوَل إعلاميًا، والتعاطف العام مع الضحية الرئيسية ومع الشاكيات تراجع إزاء ما شاع عن حفلات صاخبة وأموال ومخدرات وغرف فندقية، وحتى المجلس القومى للمرأة- بعدما رفع راية الدفاع عن المجنى عليهن- لزم الصمت إزاء تعقُّد المشهد.

ولكن الحقيقة أن هذه الأوضاع المضطربة والمتناقضة ليست غريبة ولا دليلًا على انحسار الأمل فى تغيير ثقافة المجتمع تجاه التحرش، بل إنها دليل على خطورة الموضوع وتعقُّد جوانبه وصعوبة المخاض الذى يمر به المجتمع فى تعامله مع قضية كامنة تحت السطح ولا يظهر منها فى العلن إلا النزر اليسير. دعونا إذن لا نفقد البصيرة عن أصل الموضوع وعن الحق القانونى والإنسانى الذى يلزم التمسك به.

جوهر الموضوع أن جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسى بوجه عام تقع حينما تتعرض الفتاة للاعتداء رغمًا عن إرادتها وبغض النظر عن أى ملابسات أخرى تحيط بالجريمة، بما فى ذلك سلوكها وملبسها وعلاقتها بالجانى وأسباب تواجدها فى مكان الجريمة. هذه ظروف وملابسات قد تعبر عن سوء تقدير أو سوء سلوك ولكنها لا تغير من حقيقة أن الاعتداء تم بغير رضا المجنى عليها، وأن الجريمة بذلك قد وقعت. والقول بأن سلوك الفتاة دافع لارتكاب الجريمة أو مبرر لها يتنافى مع المنطق القانونى السليم، ولو قبلنا به لكان سارق السيارة مستحقًا للبراءة لمجرد أن صاحبها لم يُحْكِم إغلاق أبوابها، ولكان القاتل مستحقًا للعفو لمجرد أن القتيل اختار السير بمفرده فى شارع خطر ومظلم، ولكان بلطجى الحى معذورًا لأن ضحاياه لم يمكثوا فى منازلهم ويؤثروا السلامة. صحيح أن المجتمع يصعب عليه أن يتجاهل سلوك المعتدَى عليها وملابسات الجريمة. ولكن للقانون مساحة فى المجتمع غير الأخلاق، والعدالة معصوبة العينين لا تخلط بين الأمرين. وكما أن على القضاء أن يصدر أحكامه وفقًا للقانون ودون النظر إلى الآراء الشخصية والانحيازات الأخلاقية، كذلك فإن لكل فرد فى المجتمع الحق فى تكوين رأيه فى الآخرين دون أن ينتقص ذلك من حقوقهم القانونية.

جوهر القضية التى نحن بصددها هو حماية الفتيات والنساء من التحرش الجنسى بكل أشكاله، وحماية مَن تجد فى نفسها الشجاعة للإبلاغ عن تعرضها للتحرش، وتوفير إطار قانونى رادع يتيح للمرأة الخروج من المنزل والتعلُّم والعمل والترفيه فى مناخ آمن. أما الأخلاق فلها مجال آخر، مجال التعليم والثقافة والقدوة المنزلية، ومتابعة الأهل لأبنائهم وبناتهم وعدم الاكتفاء بتمويل متطلباتهم ونزواتهم، وتحميلهم المسؤولية عن أفعالهم، وغرس قيمة احترام الآخرين فيهم. وكل التحية والتقدير لمَن وجدن فى أنفسهن الشجاعة للإعلان عن رفض التعرض لهذا السلوك المشين أو السكوت عنه، وللمحامين والمحاميات الذين تطوعوا للدفاع عنهن، ولكل مَن سبقوهم طوال السنوات الماضية من الرجال والنساء فى التوعية بقضية التحرش الجنسى ومناهضتها، ولنتذكر أن الموضوع لا يخص فتاة بعينها أو حادثًا معينًا، بل يتعلق بحقوق كل نساء مصر وفتياتها أيًا كانت أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية، والطريق لتغيير ثقافة التحرش طويل وملىء بالعقبات، ولن يحقق تقدمًا حقيقيًا فيه إلا مَن كان لديه الصبر والإصرار والمثابرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحرش الجنسي القانون والأخلاق التحرش الجنسي القانون والأخلاق



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon