بقلم : زياد بهاء الدين
مع إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضى، ارتفعت عدة أصوات مستقلة، إعلامية وسياسية وبرلمانية، تناشد السيد رئيس الجمهورية أن يستهل ولايته الثانية بمبادرة للانفراج السياسى، تفتح المجال العام، وتخفف القيود المفروضة على النشاط الحزبى والأهلى والإعلامى، وتعيد للناس وبخاصة الشباب منهم الأمل فى مستقبل يسوده العدل والحرية واحترام الدستور والشراكة فى الحكم.
ومع أن السيد الرئيس بادر فى أول حديث له إلى الشعب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالتأكيد على أن «مصر تتسع للجميع» وأن «الاختلاف فى الرأى لم يفسد للوطن قضية»، إلا أن المناخ العام السائد لا ينبئ بتغيير فى المسار أو أن الدولة متجهة نحو الإصلاح السياسى المنشود، بل الظاهر حتى الآن ــ وأتمنى أن أكون مخطئا فى ذلك ــ هو اعتبار أن نتيجة الانتخابات تدعم أرجاء الإصلاح السياسى لحين الانتهاء من تحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الاٍرهاب.
مصر بلا شك بحاجة لبداية جديدة ولإصلاح سياسى حقيقى وشامل، ليس فقط احتراما للدستور وللحقوق والحريات الواردة به، وإنما أيضا لأن هذا الإصلاح هو الضمان الحقيقى على المدى الطويل لتحقيق الأمن والاستقرار لأنه يجعل الشعب شريكا وداعما للسياسات والبرامج الحكومية، ويقيم التوازن السليم بين المصالح المتصارعة فى المجتمع، ويفعل آليات الرقابة على السلطة التنفيذية، ويساهم فى مكافحة الفساد، ويضمن توجيه الموارد العامة نحو الاستخدام الأفضل والأكثر استجابة لأولويات المجتمع.
ولكى يكون الإصلاح السياسى حقيقيا وشاملا فلابد أن يشمل رفع القيود عن الإعلام المستقل وعن حرية التعبير بشكل عام، وتعديل القوانين المنظمة للنشاط الأهلى بما يعيد للمجتمع المدنى فاعليته وقدرته على خدمة الفئات الأكثر احتياجا، وتنقية النظام القانونى من التشريعات المتعارضة مع الدستور، وحماية استقلال القضاء، واخضاع السلطة التنفيذية لرقابة برلمانية فعالة، والعفو عن المسجونين فى جرائم الرأى ممن لم يرتكبوا عنفا أو ارهابا ولَم يحرضوا عليه أو يدعموه.
ولكن مع تقديرى لمن ناشدوا وطالبوا بانفراج سياسى يتواكب مع بدء الولاية الرئاسية الثانية، فلا أتصور أن الاكتفاء بهذه الدعوة وانتظار استجابة الدولة لها سوف يأتيان بالنتيجة المرجوة لأن التغيير السلمى الحقيقى والمستدام يجب أن يسانده اهتمام من الناس واقتناع بأنه يحقق مصالحهم. وإن لم تفرض المطالبة به وجودها على الساحة، فإن التغيير إن وقع يكون هشا ومرهونا برغبة الحاكم الذى يملك أن يمنحه كما يملك أن يمنعه فى أى وقت. ولهذا فإن الإصلاح السياسى المنشود لن يكون ممكنا ولا حقيقيا إن لم يستند إلى تغيير فى الرؤية السائدة فى المجتمع تجاه مفهوم العمل السياسى، وإذا لم ينجح فى إقناع الناس بأن السياسة لا تعنى البحث عن الشهرة والمصالح، ولا الانشغال بجدل عقيم فى غرف مغلقة، ولا تتبع أعداد المشاركة والإعجاب على صفحات التواصل الاجتماعى، بل الاستعداد للتضحية من أجل الوطن، وتقديم الصالح العام على المصالح الخاصة، واحترام مشاعر وأولويات الناس، والتفاعل مع الدولة ومؤسساتها من خلال القنوات المتاحة فى كل موضوع وكل مناسبة.
البداية الجديدة التى يحتاج إليها ويستحقها الوطن لن تتحقق إلا إذا بادرت بها القوى المستقلة والمعارضة قبل الحكومة. بداية تتجاوز خلافات وانقسامات السنوات المنصرمة، وتتبنى خطابا يتوجه للمستقبل لا الماضى، وتبحث عما يجمع القوى الوطنية الديمقراطية لا يفرقها. أما القول بأن هذه البداية الجديدة غير ممكنة فى ظل المناخ السياسى الراهن فليس مقبولا لأن الراغب فى احداث تغيير أو تقدم فى المجتمع لا ينتظر أن تتوافر له الظروف المثالية ولا حتى المناسبة، بل يعمل فى ظل الامكانات المتاحة والمساحات الممكنة، ويكسب كل يوم خطوة واحدة ولو متواضعة، ويثق بأن الجهد لن يضيع، وأن الوطن يستحق التضحية ولو لم تأت بعائد سريع أو مباشر.
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع