بقلم - زياد بهاء الدين
المعتاد فى كل بلدان العالم أن يكون خطاب رئيس الدولة السنوى أمام البرلمان هو الخطاب الأهم لأنه يحدد ملامح السنة المقبلة ويمهد للناس السياسات والقوانين التى تنوى الحكومة التقدم بها. ولهذا فإن الرأى العام يتابعه، والإعلام يرصد تفاصيله، والمحللون يتوقفون عند كل عبارة فيه سعيا لتفسير المعانى الغامضة وإثراء الحوار بشأنه. وبهذا المنطق يلزم علينا قراءة خطاب السيد الرئيس أمام مجلس النواب يوم السبت الماضى والتفاعل معه خاصة أنه ليس خطابا سنويا عاديا بل يتزامن مع انتهاء فترة الرئاسة الأولى وبدء الفترة الثانية وبالتالى فهو يعبر عن توجهات السنوات الأربع القادمة.
من هذا المنظور، فإن أهم ما جاء بخطاب السيد الرئيس من وجهة نظرى أن بناء الإنسان المصرى سوف يكون على رأس أولويات الدولة خلال الفترة الرئاسية الثانية بعد أن كانت الأولوية فى الفترة الأولى بناء وتجديد البنية التحتية القومية وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، وأن مشروع بناء الإنسان المصرى سوف يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية هى التعليم والصحة والثقافة.
وفِى تقديرى أن التوجه فى المرحلة المقبلة لبناء الإنسان المصرى ولتحقيق التنمية البشرية توجه محمود بالتأكيد ويستحق التأييد والمساندة من الرأى العام لأنه يمثل تحولا إيجابيا عن المفهوم الذى ساد خلال السنوات الماضية بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تتحقق من خلال بناء الطرق والكبارى والمدن الجديدة، كما أنه يعبر عن استجابة لما طالب به الكثيرون من التوازن بين التنمية المادية والتنمية البشرية.
ولكن إذا كانت قضية بناء الإنسان المصرى ليست فى حد ذاتها قضية خلافية فإن العديد من الشياطين يكمن فى تفاصيلها: ما المقصود ببناء الإنسان المصرى؟ وما الأهداف المتوقع تحقيقها؟ وما الأساليب المقترح الاعتماد عليها؟ وهل يتم توجيه موارد الدولة وجهدها نحو تطوير وزيادة المبانى والمنشآت؟ أم نحو تدريب وتأهيل مقدمى الخدمات الصحية والتعليمية؟ أم نحو توفير مصادر جديدة للتمويل؟ أم التركيز على جودة الخدمات؟ التفاعل مع هذه الأسئلة وغيرها ضرورى من جانب كل الأطراف السياسية والإعلامية والأهلية كى لا يقف المجتمع متفرجا بل يستعيد حقه فى المشاركة فى صنع مستقبله، والإجابة عنها من جانب الدولة ضرورى إذا شاءت أن تبنى حولها توافقا وأن تكسب ثقة المواطنين وبالتالى مساندتهم للإجراءات والبرامج والسياسات اللازمة لتحقيق هذا الهف النبيل.
ما يشغلنى على وجه التحديد فيما تقدم هو أن يكون التفكير فى بناء الإنسان المصرى متجها إلى اتباع ذات الوسائل التى اعتمدت عليها الدولة فى مرحلة إنشاء البنية التحتية وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى وأقصد بذلك أن يكون التخطيط والتنفيذ والمتابعة من خلال تعليمات عليا ومباشرة وصارمة، ولكن دون مشاركة من المجتمع أو متابعة من البرلمان أو حوار فى المجتمع حول الأدوات المستخدمة والأهداف المطلوب تحقيقها. بناء الإنسان المصرى موضوع لا يمكن أن يعتمد فقط على السرعة والكفاءة فى التنفيذ على الأرض وإنما على استطلاع آراء الناس واختياراتهم، وكسب ثقة المستفيدين من الخدمات الحكومية، وتنظيم التنافس بين مقدمى الخدمات من الدولة ومن القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمار فيها، والتوسع فى أساليب قياس الجودة، وكلها مستهدفات تحتاج لحوار مجتمعى وتوافق واسع.
من جهة أخرى فإن قضية بناء الانسان المصرى تحتاج بالتأكيد إلى ثورة حقيقية فى مجالات التعليم والصحة والثقافة، ولكن تحتاج أيضا وبنفس القدر من الأهمية لاحترام حقوق المواطن وكرامته وحريته وشعوره بأنه يعيش فى مجتمع ينهض على المساواة والعدالة. ولهذا فإن بناء الإنسان المصرى لن يتحقق بشكل كامل دون تغيير حقيقى وانفراج فى المناخ السياسى والثقافى العام السائد فى المجتمع ودون إطلاق طاقات الناس وبالذات الشباب منهم للإبداع والتعبير والاختلاف فى ظل حماية الدستور والقانون والقضاء المستقل. وقد أشار السيد الرئيس فى خطابه إلى أن أحد توجهات المرحلة القادمة سوف يكون إعادة فتح المجال السياسى واستعادة مبدأ قبول الآخر واحترام الاختلاف فى إطار الجماعة الوطنية كما أكد على كونه رئيسا لكل المصريين، وهذه رسائل هامة وبدورها ينبغى أن تكون محل ترحيب من الجميع، وإن كانت تحتاج لتفعيل على الأرض كى يقتنع الناس بأن هذا توجه ملزم للدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها.
بناء الانسان المصرى هو التوجه السليم للمرحلة المقبلة وهو الهدف الأسمى للحكم وأساس إعادة قدر من التوافق الوطنى المفقود. ولكن تحقيقه يحتاج لأدوات تختلف عن تلك التى اعتمدت عليها الدولة فى تحديث البنية التحتية وتنفيذ المشروعات القومية العملاقة لأن نجاحه يعتمد على الشفافية والشراكة مع المجتمع والانصات لاحتياجات الناس ومشاكلها واقتراحاتها، وهو لا يكتمل إلا بإعادة الاعتبار لحقوق المواطنين وحرياتهم التى كفلها الدستور.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع