بقلم:زياد بهاء الدين
حينما تلقيت دعوة من النقيب والصديق ضياء رشوان- بصفته المنسق العام للحوار الوطنى- للمشاركة فى الحوار المرتقب، لم أتردد فى قبولها، لأننى من حيث المبدأ أرحب بأى حوار يستهدف صالح الوطن ولا تكون له قيود مسبقة تصادر على الغرض منه. وقد كان تقديرى أن الحوار، الذى دعا إليه السيد رئيس الجمهورية يوم ٢٦ إبريل، يجب أن يكون محل ترحيب ومشاركة، لأنه الفرصة الوحيدة المتاحة حاليًا لتحريك الوضع الراكد والمنغلق فى الساحة السياسية المصرية.
لذلك، ومن خلال متابعتى لما يُنشر عن الاستعدادات الجارية، وحرصًا على نجاح الحوار المرتقب، فأعرض الأفكار الأربع التالية:
الأولى ضرورة التعجيل ببدء الحوار، لأن تأخره الزائد سوف ينتقص من الحماس والمصداقية المطلوبين لنجاحه. ومع تقديرى للشرح الوافى الذى قدمه الصديق العزيز الأستاذ عماد حسين فى مقاله «هل الحوار الوطنى يسير ببطء؟»، («الشروق» الأحد الماضى)، والذى وضح فيه مراحل التحضير للحوار طوال الفترة الماضية، إلا أن الحقيقة تظل أن أكثر من ثلاثة أشهر ونصف مرت منذ الدعوة الأولى للسيد رئيس الجمهورية. وهذه إشارة غير مشجعة، وأتمنى تداركها ببدء جلسات الحوار الفعلى سريعًا كى يقتنع من يتابعونه أو يعلقون آمالًا عليه بجديته وفاعليته.
من جهة ثانية، وارتباطًا بما سبق، فإن الحوار يحتاج تنظيمًا وإدارة.. ولكن أخشى أن المبالغة فى الترتيبات سوف تؤدى إلى تكبيله بالإجراءات والقواعد، وأن يتفرع إلى لجان كثيرة ومتشعبة، وتتعقد أماناته وجلساته ومحاضره، فتغلبه البيروقراطية وتطغى على الغرض الأساسى المستهدف منه، وهو تشجيع حوار مفتوح بين القوى والتيارات السياسية حول مستقبل البلد. لا توجد وسيلة لوأد أى حوار أفضل من إغراقه فى اللجان والاجتماعات والإجراءات.
أما من حيث المضمون، فقد كان تقديرى منذ البداية أن الغرض الأساسى من الحوار الوطنى هو فتح باب التشاور حول الوضع السياسى والقيود المحيطة به والمقترحات التى قد تؤدى لانفراجة فيه.
صحيح أن الدعوة كانت غير محددة أو مقصورة على الملف السياسى وحده.. ولكن الحقيقة أن هناك مساحات ومناسبات ولقاءات عديدة تجرى فيها مناقشة الأوضاع والملفات الاقتصادية والاجتماعية.. وغيرها، بينما الحوار السياسى هو المتوقف تمامًا أو المعطل منذ فترة ليست بالقصيرة، ولذلك فهو الأجدر بأن يكون محلًا لدعوة السيد رئيس الجمهورية، وأن تنعقد عليه الآمال والتطلعات لبداية جديدة.
ومرة أخرى، أحيل لمقال آخر للأستاذ عماد حسين بعنوان: «الحوار الوطنى يكتفى بالسياسة أم يتوسع؟» (الإثنين الماضى)، حيث شرح مبررات فتح باب الحوار للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وذكر أن السبب الرئيسى هو اهتمام أكثر من ثلثى من استجابوا من الجمهور لدعوة إرسال مقترحات مسبقة لأجندة الحوار، كما أن الشأن الاقتصادى هو الأكثر إلحاحًا. وهذا رأى محترم، ولكن مناقشة التحديات الاقتصادية والأزمة العالمية لها فى تقديرى مجالات وساحات مختلفة. ومع ذلك فإن كان الأمر قد استقر على أن يكون الحوار شاملًا للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأقترح على الأقل أن تكون الصدارة للملف السياسى، وأن تكون مخرجاته سريعة وفعالة ولا يتعطل بغيره من الملفات ذات الطبيعة الفنية.
وأخيرًا، فإن الحوار الوطنى المرتقب سوف يكتسب مصداقية، ليس فقط مما يُثار خلاله من نقاش مفتوح ومتنوع، وإنما لما سيفضى إليه من نتائج ملموسة. وأظن أن النتيجة الأولى التى يتوقعها الرأى العام الداخلى كما تتابعها الجهات الدولية هى الإفراج عن المحبوسين دون وجه حق. وهنا يلزم التنويه بمن أُفرج عنهم بالفعل منذ الدعوة الأولى للحوار، والأثر الإيجابى الذى صاحب الإعلان عن كل دفعة منهم. وهذه الإفراجات رفعت من مستوى التوقع والترقب للمزيد، والإسراع بتصفية أوضاع كل المحبوسين غير المتورطين فى عنف أو إرهاب أو جرائم أخرى. وأخشى أن تؤدى الوتيرة البطيئة وغير المنتظمة للإفراج عنهم إلى فتور الحماس للحوار بعد ان ارتفعت الآمال وساد التفاؤل بأن تغييرًا حقيقيًا على وشك الحدوث.
أرحب بالحوار الوطنى وبكل ما يستهدف تحقيق صالح الوطن، وما أقترحه هو حرص على نجاح الحوار المرتقب، آملًا ألا ينتهى إلى مجرد لقاءات واجتماعات بل يكون بداية لانفراجة حقيقية يحتاجها الوطن فى المجال السياسى أولًا، ثم فى غيره من المحاور والقضايا المصيرية.