بقلم : زياد بهاء الدين
أخيرًا انتهت الانتخابات الأمريكية، التى شغلت العالم كله لشهور طويلة، ودخلت بيوت الناس، وبات لكل منا رأى وموقف بشأنها كما لو كنا من الناخبين. ومع أن النتيجة لم تظهر بعد حتى كتابة هذه السطور، إلا أن الأكيد أنها سوف تعبر عن انقسام مستمر فى المجتمع الأمريكى، وتوتر باقٍ أيًا كان الفائز، وحالة من عدم الاستقرار كان يمكن أن يحسمها فوز كبير لأحد الطرفين. وقد لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قد يدخل البلد فى صراع دستورى وقانونى يزيد من عدم الاستقرار السياسى فى الأصل والاقتصادى بالتبعية.
السبب الأول أننى لم أقتنع أبدًا بالرأى السائد عندنا بأن استمرار «ترامب» فى الحكم أفضل لمصر، ولا أن «بايدن» سيعيد الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسى، فالعالم تغير فى السنوات الأخيرة وأولوياته اختلفت، والسياسة الأمريكية لدعم الإسلام السياسى فى منطقتنا صارت فى تقديرى موضوعًا نظريًا لا يشغل إلا المحللين والباحثين وليس صناع السياسة. من جهة أخرى فإن فوز «ترامب» فى الانتخابات سوف يعنى استمرار سياسته الخارجية بنفس العشوائية التى أظهرها فى ولايته الأولى، حيث لم يكن من الثوابت إلا الدعم المطلق لإسرائيل والحرص على المصالح الاقتصادية الأمريكية الضيقة فى المنطقة.
أما السبب الثانى فهو اعتقادى أن فوز «ترامب» فى الانتخابات سوف يؤدى إلى استمرار عرقلة التجارة والاستثمار الدوليين ودفع العالم نحو المزيد من التوتر والانقسام، فى وقت يحتاج فيه تعاونًا عاجلًا فى قضايا مصيرية بما فيها مكافحة الأوبئة وتنظيم الهجرة والتعامل مع الانكماش الاقتصادى والحفاظ على البيئة. الانتخابات الأمريكية بطبيعتها لها هذه الصبغة الدولية لأن نتيجتها تؤثر على العالم كله، ولكن لها أهمية متزايدة فى ظل الظروف الحالية والتحديات الاقتصادية والصحية والسكانية الراهنة لأنها كلها تحتاج تعاونًا دوليًا استثنائيًا، وهو ما لا أظن أن إدارة «ترامب» ستكون مستعدة له أو حتى مُرحِّبة به.
يُقلقنى كذلك أن فوز «ترامب» سوف يعبر عن استمرار التراجع الملحوظ فى منظومة القيم التى تحكم أكبر دولة فى العالم اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا، وأقصد بذلك قيم العدالة واحترام القانون وحقوق المواطنين، وهذا أمر ينبغى أن يشغلنا من ناحية تأثيره على العالم عمومًا ونحن منه. ولكن أختلف كثيرًا فى هذا الموضوع مع مَن يبنون توقعاتهم ورهاناتهم على فوز «بايدن» من أجل تحقيق تقدم سياسى وانفراج فى الحقوق حول العالم بما فى ذلك وطننا العربى، فلا أظن أن رئيسًا أمريكيًا- أيًا كان حزبه ومضمون خطابه المعلن- صار يشغله كثيرًا هذا الموضوع بأكثر من تسجيل الموقف وتسديد خانة لصالح جمهوره الداخلى. الحقيقة أنه لا تقدم أو انفراج سياسى سيتحقق فى وطننا العربى إلا بقدر رغبة الشعوب فى تحقيقه واستعدادها للمطالبة به والتضحية من أجله. وفى كل الأحوال فإنه شأن داخلى، ومن الخطأ الاعتماد على أطراف خارجية لتغييره أو حتى التدخل فيه لأن قبول التدخل فى موضوع يعنى قبوله فى كل الموضوعات، وليس هذا ما ينبغى أن نتمناه أو نقبله.
فى كل الأحوال، فإن الانتخابات الأمريكية قد انتهت، وسوف تعلن نتيجتها قريبًا، ونتيجتها لن تحسم الخلاف والانقسام الداخليين فى الولايات المتحدة، بل قد تزيدهما، وهذا أمر مؤسف ومقلق، فى ظل ظروف دولية تحتاج تعاونًا واستقرارًا وتجارة واستثمارًا واستعادة لقيم العدالة والمواطنة.