توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ملاحظات على الخطاب الاقتصادي السائد

  مصر اليوم -

ملاحظات على الخطاب الاقتصادي السائد

بقلم: زياد بهاء الدين

ليس من عادتى التوقف وانتقاد كلمة معينة أو تعبير قد يصدر من أحد المسؤولين على عجالة أو فى ظرف خاص لاعتقادى أن هذا يدخل فى بند «التصيد» الذى لا يليق بقضايا جادة.

ولكن حينما تتكرر المفاهيم والرسائل، فإننا نكون بصدد أفكار وسياسات أكثر اتساقًا، ولهذا فاسمحوا لى بتناول بعض المفاهيم الرئيسية التى جرى طرحها على الساحة الاقتصادية خلال الأسابيع الأخيرة:

المفهوم الأول، أننا فى حالة اقتصاد حرب أو مقبلون عليها. وأظن أنه كان تعبيرًا غير موفق وقد سبب للبلد ضررا بالغا. فنحن - والحمد لله - لسنا فى حالة حرب ولا فى ظروف تستدعى اقتصاد الحرب. ومجرد طرح الفكرة الآن بالغ الغرابة فى الوقت الذى يسعى فيه البلد لإعادة جذب الاستثمار الخاص المحلى والأجنبى، ويجتهد فيه وزيرا الاستثمار والمالية الجديدان لبث روح الثقة فى المجتمع الاستثمارى.

كذلك فإن تعبير اقتصاد الحرب ليس تعبيرا مرسلا، بل له معان ودلالات مستقرة (وان لم تكن محل تعريف قانونى)، أهمها وضع كل موارد البلد بما فيها الملكيات الخاصة تحت تصرف المجهود الحربى وقيام الحكومة بإصدار قرارات استثنائية فى كافة المجالات الاقتصادية والإدارية والجنائية.

فهل هناك ما يستدعى ذلك فعلا مما لا نعلمه؟ أم أن هناك قرارات استثنائية جار التفكير والإعداد لها؟ أم أن تعبير اقتصاد الحرب جاء ليضاف إلى الأسباب التى يستند إليها الخطاب الرسمى فى تبرير الأزمة الاقتصادية التى تعرضنا لها والغلاء الذى يعيشه الناس؟ أيا كان السبب فالمهم ألا يكون تعبير اقتصاد الحرب يمهد لقرارات وإجراءات استثنائية وغير مطلوبة تضر بالمناخ الاستثمارى الذى نحاول بث الروح فيه.

المفهوم الثانى الذى أود التوقف عنده هو أن التصدير جيد والاستيراد سيئ وبالتالى فعلينا السعى لإنتاج ما يحتاجه البلد كى لا نضطر لاستيراده. ومع أن ضبط ميزان المدفوعات والاستغناء عن نزيف القروض الأجنبية يحتاج فعلا لزيادة التصدير والحد من الاستيراد، إلا أن هذا لا يعنى اعتماد ما يسمى بسياسة إحلال الواردات التى تخلى عنها العالم من عقود طويلة.

علينا زيادة الإنتاج طبعا وزيادة التصدير طبعا، ولكن فيما يكون فيه ميزة تنافسية لمصر وليس فى كل ما يمكن إنتاجه. والسبب الذى استقر عليه الاقتصاديون أننا لو بدأنا فى إنتاج ودعم البديل المحلى لأى صنف نقوم فى الوقت الحالى باستيراده، فإن هذا قد يدفعنا لتبديد الموارد على صناعات ومنتجات لا نتمتع فيها بميزة نسبية وسيكون إنتاجنا منها إما أغلى من غيرنا أو أسوأ. بينما لو وضعنا مواردنا فيما نتميز به فإن إنتاجنا سيكون أكثر تنافسية وبالتالى أكثر كفاءة فى الإنتاج وأقل سعرا من الغير وأفضل فى الجودة، ما يعنى أنه قابل للتصدير وجلب العملات الأجنبية.

طبيعى أن يخرج من هذه القاعدة المنتجات التى يعتبرها كل بلد «استراتيجية» سواء أغذية معينة أو حبوب رئيسية أو أدوية لا يمكن الاستغناء عنها بجانب طبعا الصناعات العسكرية. ولكن خارج إطار المستلزمات الاستراتيجية، فإن موارد الدولة والقطاع الخاص ينبغى أن يتوجها لما فيه ميزة نسبية لمصر (أو يمكن تحقيق فيه ميزة نسبية مع مزيد من الاستثمار والتكنولوجيا والتدريب) وليس بالضرورة لما يحد من الاستيراد لو كان سيدفعنا إلى إنتاج بلا كفاءة.

أما المفهوم الثالث الذى يستحق التفكير فهو أن تشجيع الصناعة معناه السعى لفتح كل المصانع المغلقة خلال السنوات الماضية. وأذكر هذا الموضوع بمناسبة التوجه الحالى لدعم الصناعة المصرية والنشاط الواضح فى إزاله معوقاتها بعد سنين من الخمول والإهمال. ولكن إن كانت النية نبيلة بلا شك فى فتح المصانع وتشغيل العمالة وتدوير المعدات المعطلة، فإن هناك تفرقة ضرورية بين المصانع التى توقفت بسبب ظروف اقتصادية أو تجارية عابرة (تضخم مفاجئ فى مدخلات الإنتاج، تعثر فى الحصول على مصدر طاقة، تغير فى سعر الصرف، تسويق ضعيف، هيكل تمويل مختل، أو حتى مجرد بداية مضطربة) وهذه تكون قابلة للإنقاذ والتصحيح والعودة للمسار الإنتاجى.. وبين المصانع التى تعثرت لأن إنتاجها لم يعد مطلوبا فى السوق أو لأن تمويلها تم استهلاكه فى إنفاق شخصى بالمخالفة للقانون أو لأنها اعتمدت على تكنولوجيا لم تعد ملائمة أو غير ذلك من الأسباب الهيكلية التى لا ينفع معها تصحيح ولا تدخل، فإن محاولة إنقاذها لن تؤدى إلا لمزيد من هدر الموارد وتضخم المشكلة القائمة بالفعل وتفويت فرصة استخدام الأصول الباقية يما يكون أكثر نفعا.

ولا أقترح إهمال هذه المصانع وعمالها وتركهم للضياع، بل الحل الاقتصادى السليم هو المساعدة على تصفيتها بحيث يعاد استخدام الأرض المقام عليها المصنع ويعاد تدوير ما يصلح من معداتها ويعاد تدريب عمالها وتمكينهم من الالتحاق بمجال آخر واعد بدلا من ربط مصيرهم بصناعة محكوم عليها بالاندثار.

قد يبدو ما سبق لكم عودة لمواضيع معروفة ومستقرة أو لم تعد جديرة بالنقاش، ولكن تعلمت أن أهم الأمور أبسطها، وأن ضبط المفاهيم الأساسية يوفر الكثير من الجهد والوقت والموارد فيما بعد. فدعونا نناقشها الآن لأن تجاهلها قد يكون ثمنه كبيرا فيما بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاحظات على الخطاب الاقتصادي السائد ملاحظات على الخطاب الاقتصادي السائد



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon