بقلم : زياد بهاء الدين
عادة ما يكون لنهاية موسم الصيف مذاق خاص.. تغيُّر الطقس من الحار إلى اللطيف، ازدحام الطرق مع عودة المصطافين إلى المدن، الإغلاق المفاجئ للمحال المنتشرة على طول الساحل الشمالى، ظهور أسراب الطيور المهاجرة، الاستعداد لبدء العام الدراسى وشراء ملابسه ومُعدّاته، والعودة إلى المكاتب ومواعيد العمل الرسمية مع نهاية الإجازات السنوية.
الصيف لم يكن صيفًا تقليديًا، سواء لمَن حرمهم الخوف من الوباء أو إغلاق الشواطئ العامة أو الوضع الاقتصادى من الإجازة المعتادة، أو لمَن على النقيض دفعهم «كورونا» إلى مد موسمهم الساحلى أكثر من المعتاد حتى قارب مصيفهم أن يكون مستدامًا.
ومَن سعدوا في البداية بتجربة العمل من منازلهم وابتهجوا بما أتاحه التقدم التكنولوجى من قدرة على التواصل والتفاعل عن بُعد، سرعان ما ضجوا بكل ذلك حينما طال بقاؤهم في المنازل، فصاروا يتطلعون لاستئناف العمل في المكاتب واستعادة التفاعل الإنسانى مع زملائهم.
والمدارس والجامعات، التي كان يومها الأول علامة أكيدة لنهاية الموسم وبداية موسم جديد، لا يزال الغموض يحيط بمواعيدها وبقدرتها على استقبال الطلاب بشكل كامل خلال العام المقبل، ولا يعلم ملايين التلاميذ والطلاب الجامعيين كيف يكون شكل عامهم الدراسى.
والوضع الصحى يبدو، والحمد لله، مستقرًا نسبيًا ومطمئنًا، والناس عادت إليها الثقة بأننا تجاوزنا أسوأ المراحل، ولكن تستمر الحكومة مع ذلك- وعن حق- في تنبيهنا إلى خطورة التراخى والاستهتار واحتمالات صحوة الفيروس اللعين مرة أخرى.
وبينما كان العرف الجارى والمستقر أن ينشغل الناس خلال الصيف بأخبار مسلية وحكايات من الوزن الخفيف، فإن هذا العام شغلتنا أوضاع جد ثقيلة وخطيرة، سواء في ليبيا أو في إثيوبيا، وبانتخابات برلمانية هزيلة، وبقضايا تحرش جنسى لا مجال فيها للعبث أو الاستهتار، وبظلال ثقيلة لملفات قانونية يُعاد فتحها.
أما الوضع الاقتصادى فيظل الأكثر مدعاة للترقب والقلق، فرغم نجاح الحكومة في إعادة النشاط الاقتصادى لكافة القطاعات الحيوية بعد أسابيع قليلة من الإغلاق الجزئى، فإن آثار الوباء وتداعياته لا تزال غير معروفة، سواء محليًا أو عالميًا، وخطر استمرار التباطؤ الاقتصادى لا يزال حقيقيًا.
نبدأ إذن موسمًا جديدًا تحيط به مخاوف ومخاطر غير معتادة في هذا الوقت من العام، فهل هناك ما يدعو إلى التفاؤل؟
اعتقادى أن التشاؤم والتفاؤل حالتان نفسيتان تعبران عن شخصية كل واحد منّا، ولا تستندان بالضرورة إلى ظروف موضوعية، وأن الأفضل منهما معًا هو التفكير فيما تعلمناه خلال الأشهر الماضية، وما استفدنا به، وما علينا القيام به، ولنترك التفاؤل والتشاؤم لمَن لديهم الوقت والمساحة لذلك.
من هذا المنظور العملى أظن أننا تعلمنا الكثير خلال الأشهر القليلة الماضية: تعلمنا كل بطريقته التعامل مع «كورونا» وتقبل قدر من المخاطرة لا مناص منه، واستعدنا الكثير من مزايا البقاء في المنازل وقضاء الوقت مع الأهل والأبناء والتأقلم مع ظروف مختلفة، واكتسبنا خبرات تكنولوجية كان يستأثر بها جيل الشباب ويتعالون بها علينا، وتأقلمنا مع أنماط جديدة للاستهلاك بعضها حميد ويستحق التمسك به، وأرجو أن نكون أكثر وعيًا بقيمة الاستثمار في البشر قبل الحجر، وخاصة في التعليم والصحة والبيئة، وحمدنا الله أن نصيبنا من الوباء كان يسيرًا مقارنة بغيرنا، ولكن تابعنا أيضًا بكثير من الحسد السباق بين الأمم على الصدارة الطبية والعلمية في ساحة ليس لنا فيها نصيب.
فهل نعود إلى عام دراسى وموسم عمل جديدين بعقول مفتوحة وأفكار متطورة، متجاوزين هواجس وصراعات الماضى، أم نستأنف كل ذلك حيث تركناه؟
وكل عام وأنتم بخير.