بقلم-زياد بهاء الدين
تابع المصريون ومعهم العالم كله أحداث الأسبوعين الماضيين المتلاحقة بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبينما توقف الكثير من المعلقين عند تأثير هذه الأحداث على نتيجة الانتخابات، فإن الحقيقة أن هذا التأثير ليس بالمهم لأننا لسنا منذ البداية بصدد انتخابات بل استفتاء على مدة ثانية، وأن ما يشغل بال المسئولين هو ألا تأتى نتيجة الاستفتاء القادم أدنى فى الحضور والتأييد عن نتيجة عام ٢٠١4.
ولكن الجانب الأهم مما كشفت عنه أحداث الأسبوعين الماضيين هو فى تقديرى مدى استعداد الدولة وأجهزتها للاندفاع من أجل تحقيق النتيجة المطلوبة وسياسة الارض المحروقة التى انتهجتها دون تقدير كاف للعواقب والتداعيات التى سوف تخلفها بعدما تنتهى الانتخابات.
الاندفاع نحو تحقيق نتيجة مبهرة تجدد البيعة وتخطف أبصار العالم جاء بنتائج عكسية تماما لأن كل ما اعترض طريق هذا الهدف تم التعامل معه دون تقدير لآثاره على الرأى العام الذى لم يعد يرضى بالاستهتار بذكاء الناس وفطنتها وإحساسها بالمسئولية نحو الوطن، حتى داخل الدوائر المؤيدة للمرشح الرئاسى الوحيد.
وهكذا فى غمرة الحماس جرى تسخير موارد الدولة وطاقاتها من أجل حشد الأصوات والتوكيلات لدعم السيد رئيس الجمهورية برغم أن فوزه مضمون، وجرى اعتراض سبيل من تجرأ وأبدى استعدادا للترشح من غير المرضى عنهم سواء بالفعل أم بالحملات الإعلامية دون تقدير رد فعل الناس لهذه الحالة الاقصائية، وجرى إلقاء اللوم على ضعف الأحزاب دون التأمل فيما تسببت فيه الدولة وتدخلاتها وتضييقها على المجال العام من عزوف الناس عن العمل الحزبى والسياسى تجنبا لعواقبه الجسيمة، وحينما اتضح أن هناك حاجة لمرشح شكلى لم تتردد الدولة فى الدفع برئيس أقدم وأعرق الأحزاب المصرية ليرشح نفسه بشكل مهين ليس له شخصيا فقط ــ وهو حر فيما يقبله على نفسه ــ ولكن للمشهد السياسى العام، وفِى الوقت الذى حرص فيه السيد رئيس الجمهورية فى كلمته الختامية أمام مؤتمر «حكاية وطن» على حث المواطنين على الإدلاء بأصواتهم كى تظهر مصر بصورة جيدة أمام العالم فإن إدارة الدولة لموقعة الترشح لم تجلب علينا سوى التهكم على ما آل إليه المسار الديمقراطى فى البلد صاحب أقدم برلمان فى المنطقة العربية، وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا يزال البحث جار عن مرشح اللحظة الأخيرة الذى لن ينقذ ماء وجه الاستفتاء المقبل. وتقديرى أن تداعيات هذا الاندفاع سوف تبقى معنا وأن الخسائر الناجمة عنه لن تزول حتى بعد إعلان النتيجة.
ولكن على الجانب الآخر فقد تحقق الكثير من المكاسب التى أتصور وآمل أن تبقى معنا بعد بدء الفترة الرئاسية الثانية. المكسب الأول هو أن استعداد الناس لتقبل حالة التخوين السائدة منذ سنوات والمستخدمة لإقصاء الأصوات المعارضة تراجع لأن المبالغة فى توجيه سهام العمالة والأخونة والخيانة وغيرها من التهم الجزافية جعلتها تفقد مصداقيتها وفاعليتها، وهذا يفتح مجالا مطلوبا لتقييم الأفكار والمواقف والرؤى البديلة. أما المكسب الثانى والأهم فهو العودة للتفكير فى العمل الحزبى والاقتناع بأنه مهما كانت التجربة الحزبية التى عقبت ثورة يناير قد تعثرت وانتهت إلى زوال هذا الجيل من الأحزاب، فإنه لا مفر كى يخرج البلد من أزمته السياسية الراهنة إلا بالرجوع للنشاط الحزبى والعمل على بناء جيل جديد من الأحزاب حتى فى ظل القيود الحالية المفروضة من الدولة. وتقديرى أنه داخل الدولة من العاقلين من يقدرون حجم الضرر الذى جلبه غياب العمل السياسى والحزبى من على الساحة وضرورة الاستفادة من موقعة الترشح بالدروس السليمة.
هل هذا تفاؤل مفرط؟ ربما، ولكنى متفائل بأن موقعة الترشح، برغم كل ما خلفته من خسائر، سوف يكون لها آثار وتداعيات إيجابية على عودة الوعى والنشاط السياسى رغم التحديات التى تواجهه، وأن من يسعى لصالح البلد حقيقة عليه أن يعيد تقييم ما جرى فى الأعوام الماضية وإدراك أن هذا البلد لن ينهض إلا بشراكة أبناء وبنات الوطن وأن الاستمرار فى غلق أبواب النشاط السياسى والأهلى هو الذى يهدم مؤسسات البلد ويعرقل فرصته فى التقدم
.
نقلاعن الشروق المصرية