بقلم - زياد بهاء الدين
بنفس الحماس الذى يتابع به مشاهدو مسلسلات التليفزيون الأحداث والمشاهد الدرامية، انشغل الناس الأسبوع الماضى بمتابعة أخبار اعتذار محافظ البنك المركزى السيد/ طارق عامر عن عدم الاستمرار فى موقعه، وتعيين السيد/ حسن عبدالله محله قائمًا بأعمال المحافظ. وقد طغت أنباء هذا التغيير المفاجئ على غيره من الأخبار المهمة، بما فى ذلك التعديل الوزارى الذى سبقه بيومين فقط، حتى كاد يُنسى، لولا الإطلالات الإعلامية للوزراء الجدد.
ليس غريبًا أن يكون تعيين محافظ البنك المركزى محل اهتمام ومتابعة الرأى العام، خاصة أننا فى قلب أزمة اقتصادية عالمية، وأسواق مضطربة، ونقص عملة أجنبية، وأسعار آخذة فى الارتفاع.
ولكن استوقفنى فى التناول الإعلامى لهذا التعديل وعلى صفحات التواصل الاجتماعى أن يجرى تصويره كما لو كانت الأزمة الاقتصادية بذلك قد انفرجت، أو الحكومة نجحت أخيرا فى تجاوز أكبر مشاكلها باستقالة المحافظ السابق. والحقيقة أن هذا تصوير مخالف للواقع، كما أنه غير مفيد للمستقبل.
البنك المركزى المصرى، وفقًا للدستور والقانون، كيانٌ مستقلٌ عن الحكومة، بمعنى أنه المختص وحده بالرقابة على البنوك ونظام المدفوعات وبوضع السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية. ولكن هذا لا يعنى أنه مستقل عن الدولة كلها أو أنه جزيرة منعزلة بذاتها. بل هناك سياسات اقتصادية عليا يعمل فى اطارها، وتوجهات عامة، وتنسيق مستمر بينه وبين الحكومة، مهما كان من اختلافات فى أساليب الادارة والعمل التنفيذى. ولهذا فإن المبالغة فى الحديث عن انفراد البنك المركزى باتباع سياسات معينة ليست فى محلها.
من جهة أخرى، فإن البنك المركزى مسؤول بشكل مباشر عن السياسات النقدية والائتمانية، وليس عن مجمل الأداء الاقتصادى، ولا عن غياب السياسات المحفزة للتصنيع والإنتاج، ومزاحمة الدولة للقطاع الخاص، وتحديد أولويات الإنفاق الحكومى، وارتفاع الدين العام.
صحيح أن سياسة البنك المركزى تجاه سعر الصرف وتقييد الاستيراد كانت فى الشهور الأخيرة محلًا لانتقاد واسع محليًا ودوليًا. وقد أبديت تحفظى بشأنها على صفحات هذه الجريدة، وفى لقاءات تليفزيونية كما فعل آخرون.. ولكن تظل الحقيقة أن إصلاح مشاكلنا الهيكلية المتعلقة بالاقتصاد الحقيقى بيد الحكومة لا البنك المركزى.
واتساقًا مع ذات المنطق، فإن الإيحاء بأن الأزمة ستنفرج بمجرد تولى محافظ جديد فيه مبالغة شديدة، ويُحمّل السيد/ حسن عبدالله بما يفوق طاقته وسلطته الدستورية، كما يرفع توقعات الناس أكثر مما ينبغى، بما يهدد مصداقية أى جهود مخلصة للنهوض بالاقتصاد الوطنى. وأنا شخصيًا متفائل بالمحافظ الجديد، وواثق من قدراته المصرفية وخبرته الواسعة، ومطمئن إلى أنه سيُعيد بناء جسور الثقة والتعاون مع المجتمع الاستثمارى.
وأمامه ثلاث مهام صعبة وعاجلة: استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، وضبط أداء سوق الصرف، واستعادة قدرتنا على الاستيراد خاصة لما يخدم الإنتاج والتصنيع.. ولكن نجاحه مرهون ليس فقط بكفاءته وحنكته، بل أيضا بما تحققه الحكومة من تقدم موازٍ فى تشجيع الاستثمار واستعادة ثقة القطاع الخاص وتحفيز الإنتاج، وبخاصة التصنيع.
طبيعى أن يهتم الرأى العام فى الظروف الراهنة باختيار محافظ جديد، وأن يرحب الإعلام به.. ولكن أرجو أن يستمر هذا الحماس ويمتد إلى مساندة الحكومة فى تصحيح المسار الاقتصادى وإيجاد المناخ المناسب للاستثمار والإنتاج والتصدير والتشغيل.. فهذا هو المخرج الحقيقى الوحيد.
■ ■ ■
مع تمنياتى للمحافظ الجديد بالتوفيق فى مهمته الصعبة.. والتقدير للمحافظ السابق على تحمل المسؤولية فى فترة عصيبة.