توقيت القاهرة المحلي 18:22:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من «البرشا» إلى «كان».. ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة؟

  مصر اليوم -

من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة

بقلم - زياد بهاء الدين

تعرفت على «يوستينا سمير»، مديرة ومخرجة «فرقة مسرح بانوراما برشا»، لأول مرة فى «مهرجان الصعيد المسرحى الثالث»، الذى نظمته جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين فى أسيوط عام2018. لم تكن الفرقة مشاركة فى المهرجان، ولكن حضرته «يوستينا» بصفتها مخرجة شابة من الصعيد، وعرّفتنى بنفسها فى نهاية المهرجان بأن أختها «تيريز»، زميلتى فى النشاط الحزبى فى أعقاب ثورة يناير، ومرشحة البرلمان عن مركز «ملوى» بالمنيا قبل أن تهاجر إلى أمريكا منذ سنوات... ثم سعدت بأن «فرقة البرشا» شاركت فى «ملتقى الدوير لإبداعات وفنون الطفل» الذى نظمه «مركز أحمد بهاء الدين الثقافى» فى قرية «الدوير» بأسيوط فى سبتمبر الماضى.. لهذا كانت مفاجأة سارة للغاية أن أتابع دعوة فيلم «رفعت عينى للسما» التسجيلى، الذى يرصد تجربة «فرقة البرشا» للمشاركة فى مهرجان «كان» السينمائى، ثم مفاجأة أكبر بكثير أن يفوز الفيلم الذى أخرجه المخرجان (والزوجان) «ندا رياض» و«أيمن الأمير» بجائزة «العين الذهبية» فى المهرجان.

والحقيقة أن قصة ومسيرة «فرقة البرشا» تستحق كل إعجاب وتقدير، وقد رواها الدكتور محمد أبوالغار فى مقالة جميلة أمس الأول على صفحات هذه الجريدة، وأنصح بالرجوع إليها للتعرف على المزيد من الجوانب العملية والإنسانية من رحلة بنات «البرشا».

مفهوم طبعًا أن نحتفى جميعًا ونسعد بفوز فيلم مصرى فى واحد من أهم المهرجانات السينمائية العالمية، إن لم يكن أهمها جميعًا.. ولكن لاشك أن هذه المناسبة بالذات تستحق ليس الاحتفاء العادى، بل وقفة تفكير وتأمل وتقدير خاص لما تعبر عنه من قيم ومشاعر وحقائق معاصرة لا يجوز تجاهلها أو تجاوزها ببساطة. ليس عاديًا أن يفوز مخرجان من جيل الشباب بمثل هذه الجائزة الرفيعة، ولا أن يكون تقديرًا لعمل متواضع الميزانية والإمكانات، ولا أن يأخذ كل هذا الاهتمام الإعلامى الدولى قبل وبعد فوزه بالجائزة، وهذا كله يستحق كل إعجاب وتقدير.

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن موضوع الفيلم ست فتيات من قرية صغيرة فى الصعيد، فى منطقة لم يعرفها المصريون أنفسهم خلال السنوات الماضية إلا بالتوتر الطائفى القبيح، وأن عروضهن بدأت فى مساحات مفتوحة وتناولت مواضيع اجتماعية بالغة الأهمية ولكن ببساطة شديدة، وأنهن اجتهدن سنوات وسنوات دون أن يعلم عنهن الكثيرون، فإن الإعجاب والتقدير يتضاعفان ونصبح أمام ظاهرة فريدة جديرة بالتأمل.

ثم ماذا نتعلم من هذه الملحمة الشبابية الفريدة؟

نتعلم بالتأكيد أن فى مصر مواهب وطاقات مدفونة ولا أحد يعلم عنها شيئًا، أو إذا علم فلا يهتم، لأنها ليست من نوعية المواهب والكفاءات التى تهرع إليها وسائل الإعلام والفضائيات والشركات الراعية. الاستثناءات القليلة تأتى من الشركات والجمعيات والمبادرات ذات الوعى الثقافى. وقد لفت نظرى فيما قرأته عن الفيلم أن الجهة المصرية الوحيدة التى دعمته كانت مهرجان الجونة السينمائى!

نتعلم أيضًا أن وزارة الثقافة تبدو مؤخرًا بعيدة عن دورها الأساسى، وهو رعاية الفن والثقافة والإبداع، خاصة فى المناطق الأكثر احتياجًا. بل صار للأسف من هموم المبدعين والفنانين كيفية التغلب على المعوقات والحصول على الموافقات وتجنب التعامل مع الجهات الرسمية التى يفترض أن تدعم الثقافة (ثم نشتكى من تضاؤل تأثير مصر الثقافى وتراجع قوتها الناعمة!).

ونتعلم أن الفن والإبداع والثقافة هى أدوات التنوير الحقيقى والتحرر الفكرى والتقدم الحضارى، ولكن فقط حينما يكونون نابعين من المجتمع وصادقين فى التعبير عن مشاكله واحتياجاته، ومخلصين فيما يقدمونه من حلول، وقريبين من الجمهور الذى يخاطبونه. أما الخطاب الثقافى الذى يبدأ متعاليًا وبعيدًا عن الناس فلا مفر من أن ينتهى ضعيفًا ومهملًا.

وأخيرًا- وهذا انحياز صعيدى لا أنكره- فأرجو أن تفتح مسيرة «فرقة البرشا» وفيلم «رفعت عينى للسما» العيون والأذهان لحقيقة المجتمع الصعيدى الذى لا يعرفه الكثيرون إلا من خلال أعمال درامية بالغة السطحية، وأفكار قديمة منبتّة الصلة بالواقع.

الصعيد فيه تقاليد قديمة، وعائلات ذات سطوة وقسوة فى العيش، وندرة فى الموارد، ومعدلات للفقر أعلى من المتوسط القومى.. كل هذا صحيح، ولكن فى الصعيد أيضًا أصالة وترابط ودأب وإصرار على التقدم، وفيه تطور اجتماعى لافت خاصة بين الشبان والشابات نتيجة لتطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وفيه رغبة واستعداد للتغيير وطاقات ومواهب تبحث عن الفرص. هذا ليس وصفًا مثاليًا للصعيد، بل محاولة للتأكيد على أنه ليس نموذجًا جامدًا لا يتغير ولا يتطور، بل محلًا لتفاعل مستمر بين القديم والجديد، بين التقليدى والحديث، بين الأجيال والثقافات المختلفة، وساحة لصراعات صغيرة يومية على موارد محدودة وفرص قليلة، وبين أفكار وممارسات تتنافس كل يوم على كل تفصيلة حياتية.

ولكن من وقت لآخر.. تخرج علينا تجربة رائعة كتلك التى قامت بها فتيات «البرشا» ونقلها إلينا المخرجان «ندا» و«أيمن»، لا لكى تبقى للأبد وحيدة وفريدة، بل لتذكّرنا بأن فى الصعيد وفى مصر كثيرين آخرين يستحقون أن نراهم وندعمهم ونضع ثقتنا فيهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة



GMT 04:17 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 04:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 04:09 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 04:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 04:05 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 03:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 03:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

GMT 03:51 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا طاح الليل...

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon