توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من «البرشا» إلى «كان».. ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة؟

  مصر اليوم -

من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة

بقلم - زياد بهاء الدين

تعرفت على «يوستينا سمير»، مديرة ومخرجة «فرقة مسرح بانوراما برشا»، لأول مرة فى «مهرجان الصعيد المسرحى الثالث»، الذى نظمته جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين فى أسيوط عام2018. لم تكن الفرقة مشاركة فى المهرجان، ولكن حضرته «يوستينا» بصفتها مخرجة شابة من الصعيد، وعرّفتنى بنفسها فى نهاية المهرجان بأن أختها «تيريز»، زميلتى فى النشاط الحزبى فى أعقاب ثورة يناير، ومرشحة البرلمان عن مركز «ملوى» بالمنيا قبل أن تهاجر إلى أمريكا منذ سنوات... ثم سعدت بأن «فرقة البرشا» شاركت فى «ملتقى الدوير لإبداعات وفنون الطفل» الذى نظمه «مركز أحمد بهاء الدين الثقافى» فى قرية «الدوير» بأسيوط فى سبتمبر الماضى.. لهذا كانت مفاجأة سارة للغاية أن أتابع دعوة فيلم «رفعت عينى للسما» التسجيلى، الذى يرصد تجربة «فرقة البرشا» للمشاركة فى مهرجان «كان» السينمائى، ثم مفاجأة أكبر بكثير أن يفوز الفيلم الذى أخرجه المخرجان (والزوجان) «ندا رياض» و«أيمن الأمير» بجائزة «العين الذهبية» فى المهرجان.

والحقيقة أن قصة ومسيرة «فرقة البرشا» تستحق كل إعجاب وتقدير، وقد رواها الدكتور محمد أبوالغار فى مقالة جميلة أمس الأول على صفحات هذه الجريدة، وأنصح بالرجوع إليها للتعرف على المزيد من الجوانب العملية والإنسانية من رحلة بنات «البرشا».

مفهوم طبعًا أن نحتفى جميعًا ونسعد بفوز فيلم مصرى فى واحد من أهم المهرجانات السينمائية العالمية، إن لم يكن أهمها جميعًا.. ولكن لاشك أن هذه المناسبة بالذات تستحق ليس الاحتفاء العادى، بل وقفة تفكير وتأمل وتقدير خاص لما تعبر عنه من قيم ومشاعر وحقائق معاصرة لا يجوز تجاهلها أو تجاوزها ببساطة. ليس عاديًا أن يفوز مخرجان من جيل الشباب بمثل هذه الجائزة الرفيعة، ولا أن يكون تقديرًا لعمل متواضع الميزانية والإمكانات، ولا أن يأخذ كل هذا الاهتمام الإعلامى الدولى قبل وبعد فوزه بالجائزة، وهذا كله يستحق كل إعجاب وتقدير.

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن موضوع الفيلم ست فتيات من قرية صغيرة فى الصعيد، فى منطقة لم يعرفها المصريون أنفسهم خلال السنوات الماضية إلا بالتوتر الطائفى القبيح، وأن عروضهن بدأت فى مساحات مفتوحة وتناولت مواضيع اجتماعية بالغة الأهمية ولكن ببساطة شديدة، وأنهن اجتهدن سنوات وسنوات دون أن يعلم عنهن الكثيرون، فإن الإعجاب والتقدير يتضاعفان ونصبح أمام ظاهرة فريدة جديرة بالتأمل.

ثم ماذا نتعلم من هذه الملحمة الشبابية الفريدة؟

نتعلم بالتأكيد أن فى مصر مواهب وطاقات مدفونة ولا أحد يعلم عنها شيئًا، أو إذا علم فلا يهتم، لأنها ليست من نوعية المواهب والكفاءات التى تهرع إليها وسائل الإعلام والفضائيات والشركات الراعية. الاستثناءات القليلة تأتى من الشركات والجمعيات والمبادرات ذات الوعى الثقافى. وقد لفت نظرى فيما قرأته عن الفيلم أن الجهة المصرية الوحيدة التى دعمته كانت مهرجان الجونة السينمائى!

نتعلم أيضًا أن وزارة الثقافة تبدو مؤخرًا بعيدة عن دورها الأساسى، وهو رعاية الفن والثقافة والإبداع، خاصة فى المناطق الأكثر احتياجًا. بل صار للأسف من هموم المبدعين والفنانين كيفية التغلب على المعوقات والحصول على الموافقات وتجنب التعامل مع الجهات الرسمية التى يفترض أن تدعم الثقافة (ثم نشتكى من تضاؤل تأثير مصر الثقافى وتراجع قوتها الناعمة!).

ونتعلم أن الفن والإبداع والثقافة هى أدوات التنوير الحقيقى والتحرر الفكرى والتقدم الحضارى، ولكن فقط حينما يكونون نابعين من المجتمع وصادقين فى التعبير عن مشاكله واحتياجاته، ومخلصين فيما يقدمونه من حلول، وقريبين من الجمهور الذى يخاطبونه. أما الخطاب الثقافى الذى يبدأ متعاليًا وبعيدًا عن الناس فلا مفر من أن ينتهى ضعيفًا ومهملًا.

وأخيرًا- وهذا انحياز صعيدى لا أنكره- فأرجو أن تفتح مسيرة «فرقة البرشا» وفيلم «رفعت عينى للسما» العيون والأذهان لحقيقة المجتمع الصعيدى الذى لا يعرفه الكثيرون إلا من خلال أعمال درامية بالغة السطحية، وأفكار قديمة منبتّة الصلة بالواقع.

الصعيد فيه تقاليد قديمة، وعائلات ذات سطوة وقسوة فى العيش، وندرة فى الموارد، ومعدلات للفقر أعلى من المتوسط القومى.. كل هذا صحيح، ولكن فى الصعيد أيضًا أصالة وترابط ودأب وإصرار على التقدم، وفيه تطور اجتماعى لافت خاصة بين الشبان والشابات نتيجة لتطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وفيه رغبة واستعداد للتغيير وطاقات ومواهب تبحث عن الفرص. هذا ليس وصفًا مثاليًا للصعيد، بل محاولة للتأكيد على أنه ليس نموذجًا جامدًا لا يتغير ولا يتطور، بل محلًا لتفاعل مستمر بين القديم والجديد، بين التقليدى والحديث، بين الأجيال والثقافات المختلفة، وساحة لصراعات صغيرة يومية على موارد محدودة وفرص قليلة، وبين أفكار وممارسات تتنافس كل يوم على كل تفصيلة حياتية.

ولكن من وقت لآخر.. تخرج علينا تجربة رائعة كتلك التى قامت بها فتيات «البرشا» ونقلها إلينا المخرجان «ندا» و«أيمن»، لا لكى تبقى للأبد وحيدة وفريدة، بل لتذكّرنا بأن فى الصعيد وفى مصر كثيرين آخرين يستحقون أن نراهم وندعمهم ونضع ثقتنا فيهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة من «البرشا» إلى «كان» ماذا نتعلم من هذه الرحلة الفريدة



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon