توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الصفقة الكبرى».. من ثلاثة أوجه

  مصر اليوم -

«الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه

بقلم - زياد بهاء الدين

مع أن الأخبار كانت قد انتشرت، منذ أسبوعين أو ثلاثة، عن قرب إبرام صفقة إماراتية بخصوص منطقة رأس الحكمة، إلا أن إعلان السيد رئيس مجلس الوزراء عنها الجمعة الماضى أثار عاصفة من الاهتمام والمتابعة والجدل داخل مصر وخارجها، ليس فقط لحجمها غير المألوف، وإنما أيضًا بسبب تأكيد الحكومة على أنها بداية انفراج الأزمة الاقتصادية الممتدة معنا منذ عامين على الأقل.

ومع تقديرى للجوانب الإيجابية لهذه الصفقة، إلا أننى لا أظن أنها بالبساطة التى جرى بها تقديمها إعلاميًّا، بل أرى لها ثلاثة جوانب مختلفة يلزم الفصل بينها حتى يمكن تقييمها بشكل موضوعى، والبناء عليها مستقبلًا.

الجانب الأول يتعلق بالاستثمار. وهنا لا أتردد فى الترحيب بالصفقة واعتبارها مكسبًا كبيرًا لمصر وللاقتصاد الوطنى، فهى ببساطة- وكما عبر السيد رئيس مجلس الوزراء- أحد أكبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تأتى لمصر، إن لم يكن أكبرها جميعًا.

وأهمية هذا النوع من الاستثمار ليس فقط فيما يجلبه من نقد أجنبى، وإنما أيضًا فى الطلب الذى يخلقه على اليد العاملة وعلى مواد البناء وعلى كافة السلع والخدمات المرتبطة بتنفيذ هذا المشروع العملاق. أما على المدى الأطول فيُفترض أن يؤدى إلى تدفقات إضافية من الاستثمار المباشر، ويحقق طفرة كبيرة فى السياحة لمصر. هذا من حيث المبدأ، وهو ما يقودنى إلى الجانب الثانى من الموضوع.

■ ■ ■

الجانب الثانى يتعلق بالشفافية والمعلومات. وهنا كنت أتمنى إتاحة المزيد من المعلومات عن هذه الصفقة بالشكل الذى يستحقه المجتمع ويطمئن الرأى العام ويحمى مصالح المستثمرين. ولا أتحدث هنا عن تفاصيل تنفيذية أو معلومات تجارية سرية، بل مجرد توضيح أفضل للإطار العام المحيط بالصفقة. السيد رئيس مجلس الوزراء ذكر فى المؤتمر الصحفى أنها تجرى وفقًا للنظم المعمول بها فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع المطورين العقاريين.

وهذه تتضمن فى المعتاد منح الأرض بالتخصيص لحين إنهاء المشروعات المتفق عليها، ثم نقل ملكية الأرض كاملة بعدها، فهل يشمل ما يجرى التزام شركة تطوير رأس الحكمة بمخطط عام لإنشاء البنية التحتية المجتمعية؟، وهل من تفاصيل عن هذا المخطط العام؟.

كذلك، فقد تحدث السيد رئيس الوزراء عن منطقة حرة، فهل ستكون حدودها وما تجلبه من إعفاءات ضريبية للميناء المزمع إقامته أم للمشروع كله؟، وماذا عن المنطقة المالية التى ذُكرت فى المؤتمر الصحفى، هل هى مجرد مجموعة مبانٍ أم سيُفرد لها وضع قانونى خاص؟، وماذا عن حصة الدولة فى المشروع، هل هى نسبة فى رأسمال الشركة، أم من المبيعات، أم من الأرباح النهائية، أم حصة عينية؟.

هذه، وغيرها، أسئلة مشروعة ومطلوبة لتوضيح طبيعة المشروع ولطمأنة الرأى العام وحماية المستثمرين من كثرة الشائعات والتكهنات. وكلما أُتيحت التفاصيل سريعًا كان أثرها الإيجابى أكبر.

■ ■ ■

وأخيرًا، فإن الجانب الثالث من الموضوع يرتبط بأثر هذه الصفقة الكبرى على أزمتنا الاقتصادية. شخصيًّا، أتحفظ على السائد من تصريحات المسؤولين فى الأيام الأخيرة، والتى بالغت فى التأكيد على نهاية الأزمة وانتهاء مشاكلنا الاقتصادية. دعونا نتفق أولًا على أن أزمتنا الراهنة ليست الغلاء ولا نقص العملات الأجنبية وارتفاع أسعار صرفها ولا تكالب أقساط الديون الأجنبية علينا.

هذه أعراض المرض لا المرض ذاته. المرض كان- ولا يزال- ضعف الإنتاج وارتفاع الدَّيْن العام الداخلى والخارجى والتوسع فى مشروعات طويلة المدى وتضخم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار. أكيد أن صفقة رأس الحكمة- وربما معها ترتيبات مقبلة مع صندوق النقد الدولى- سوف تساعد على تخفيف الأعراض العاجلة للأزمة/ المرض، وأهمها سداد أقساط الديون الحالية وإعادة الاستقرار إلى سوق الصرف، وهذا يكون تقدمًا كبيرًا جدًّا، ولا يُستهان به، ويمنح السلطات مساحة للتنفس والتصرف.

ولكن يظل السؤال الأهم هو: هل تستغل الحكومة هذه الفرصة لكى تصحح من المسار الاقتصادى الذى انتهجناه فى السنوات الماضية، والذى أسهم فى تفاقم أزمتنا الاقتصادية؟، أم على العكس سوف نعتبر أن الضغط الرهيب الذى وقعنا تحته من أجل سداد الديون وضبط سوق الصرف والحد من الغلاء قد انحسر بسبب صفقة رأس الحكمة، ولم تعد هناك ضرورة للإصلاح؟.

الصفقة استثماريًّا إيجابية للغاية، والترحيب بها واجب، وكذلك بالمستثمرين فيها، ولكن لا توجد صفقة بيع أرض ولا مشروع استثمارى- مهما كان عملاقًا- قادر على حل أزمة اقتصادية، بل لن يحلها سوى تغيير فى السياسات، فلعلها تكون فرصة لتعديل المسار ومحاربة أسباب المرض لا أعراضه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه «الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon