توقيت القاهرة المحلي 18:22:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الصفقة الكبرى».. من ثلاثة أوجه

  مصر اليوم -

«الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه

بقلم - زياد بهاء الدين

مع أن الأخبار كانت قد انتشرت، منذ أسبوعين أو ثلاثة، عن قرب إبرام صفقة إماراتية بخصوص منطقة رأس الحكمة، إلا أن إعلان السيد رئيس مجلس الوزراء عنها الجمعة الماضى أثار عاصفة من الاهتمام والمتابعة والجدل داخل مصر وخارجها، ليس فقط لحجمها غير المألوف، وإنما أيضًا بسبب تأكيد الحكومة على أنها بداية انفراج الأزمة الاقتصادية الممتدة معنا منذ عامين على الأقل.

ومع تقديرى للجوانب الإيجابية لهذه الصفقة، إلا أننى لا أظن أنها بالبساطة التى جرى بها تقديمها إعلاميًّا، بل أرى لها ثلاثة جوانب مختلفة يلزم الفصل بينها حتى يمكن تقييمها بشكل موضوعى، والبناء عليها مستقبلًا.

الجانب الأول يتعلق بالاستثمار. وهنا لا أتردد فى الترحيب بالصفقة واعتبارها مكسبًا كبيرًا لمصر وللاقتصاد الوطنى، فهى ببساطة- وكما عبر السيد رئيس مجلس الوزراء- أحد أكبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تأتى لمصر، إن لم يكن أكبرها جميعًا.

وأهمية هذا النوع من الاستثمار ليس فقط فيما يجلبه من نقد أجنبى، وإنما أيضًا فى الطلب الذى يخلقه على اليد العاملة وعلى مواد البناء وعلى كافة السلع والخدمات المرتبطة بتنفيذ هذا المشروع العملاق. أما على المدى الأطول فيُفترض أن يؤدى إلى تدفقات إضافية من الاستثمار المباشر، ويحقق طفرة كبيرة فى السياحة لمصر. هذا من حيث المبدأ، وهو ما يقودنى إلى الجانب الثانى من الموضوع.

■ ■ ■

الجانب الثانى يتعلق بالشفافية والمعلومات. وهنا كنت أتمنى إتاحة المزيد من المعلومات عن هذه الصفقة بالشكل الذى يستحقه المجتمع ويطمئن الرأى العام ويحمى مصالح المستثمرين. ولا أتحدث هنا عن تفاصيل تنفيذية أو معلومات تجارية سرية، بل مجرد توضيح أفضل للإطار العام المحيط بالصفقة. السيد رئيس مجلس الوزراء ذكر فى المؤتمر الصحفى أنها تجرى وفقًا للنظم المعمول بها فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع المطورين العقاريين.

وهذه تتضمن فى المعتاد منح الأرض بالتخصيص لحين إنهاء المشروعات المتفق عليها، ثم نقل ملكية الأرض كاملة بعدها، فهل يشمل ما يجرى التزام شركة تطوير رأس الحكمة بمخطط عام لإنشاء البنية التحتية المجتمعية؟، وهل من تفاصيل عن هذا المخطط العام؟.

كذلك، فقد تحدث السيد رئيس الوزراء عن منطقة حرة، فهل ستكون حدودها وما تجلبه من إعفاءات ضريبية للميناء المزمع إقامته أم للمشروع كله؟، وماذا عن المنطقة المالية التى ذُكرت فى المؤتمر الصحفى، هل هى مجرد مجموعة مبانٍ أم سيُفرد لها وضع قانونى خاص؟، وماذا عن حصة الدولة فى المشروع، هل هى نسبة فى رأسمال الشركة، أم من المبيعات، أم من الأرباح النهائية، أم حصة عينية؟.

هذه، وغيرها، أسئلة مشروعة ومطلوبة لتوضيح طبيعة المشروع ولطمأنة الرأى العام وحماية المستثمرين من كثرة الشائعات والتكهنات. وكلما أُتيحت التفاصيل سريعًا كان أثرها الإيجابى أكبر.

■ ■ ■

وأخيرًا، فإن الجانب الثالث من الموضوع يرتبط بأثر هذه الصفقة الكبرى على أزمتنا الاقتصادية. شخصيًّا، أتحفظ على السائد من تصريحات المسؤولين فى الأيام الأخيرة، والتى بالغت فى التأكيد على نهاية الأزمة وانتهاء مشاكلنا الاقتصادية. دعونا نتفق أولًا على أن أزمتنا الراهنة ليست الغلاء ولا نقص العملات الأجنبية وارتفاع أسعار صرفها ولا تكالب أقساط الديون الأجنبية علينا.

هذه أعراض المرض لا المرض ذاته. المرض كان- ولا يزال- ضعف الإنتاج وارتفاع الدَّيْن العام الداخلى والخارجى والتوسع فى مشروعات طويلة المدى وتضخم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار. أكيد أن صفقة رأس الحكمة- وربما معها ترتيبات مقبلة مع صندوق النقد الدولى- سوف تساعد على تخفيف الأعراض العاجلة للأزمة/ المرض، وأهمها سداد أقساط الديون الحالية وإعادة الاستقرار إلى سوق الصرف، وهذا يكون تقدمًا كبيرًا جدًّا، ولا يُستهان به، ويمنح السلطات مساحة للتنفس والتصرف.

ولكن يظل السؤال الأهم هو: هل تستغل الحكومة هذه الفرصة لكى تصحح من المسار الاقتصادى الذى انتهجناه فى السنوات الماضية، والذى أسهم فى تفاقم أزمتنا الاقتصادية؟، أم على العكس سوف نعتبر أن الضغط الرهيب الذى وقعنا تحته من أجل سداد الديون وضبط سوق الصرف والحد من الغلاء قد انحسر بسبب صفقة رأس الحكمة، ولم تعد هناك ضرورة للإصلاح؟.

الصفقة استثماريًّا إيجابية للغاية، والترحيب بها واجب، وكذلك بالمستثمرين فيها، ولكن لا توجد صفقة بيع أرض ولا مشروع استثمارى- مهما كان عملاقًا- قادر على حل أزمة اقتصادية، بل لن يحلها سوى تغيير فى السياسات، فلعلها تكون فرصة لتعديل المسار ومحاربة أسباب المرض لا أعراضه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه «الصفقة الكبرى» من ثلاثة أوجه



GMT 04:17 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 04:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 04:09 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 04:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 04:05 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 03:58 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 03:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

GMT 03:51 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا طاح الليل...

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon