توقيت القاهرة المحلي 22:02:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية

  مصر اليوم -

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية

بقلم - زياد بهاء الدين

الغضب الواسع من الزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود في محله لأن غالبية الشعب لم تعد تتحمل المزيد من الغلاء بعد معاناتها طوال العامين الماضيين من تضخم أتى على مدخراتها وعلى قدرتها الشرائية وعلى شعورها بالأمان.

ولكن مع تقديري لهذه المعاناة، الا أن الغضب لا ينبغى أن يكون محله زيادة أسعار الوقود فى حد ذاتها بل مجمل السياسات الاقتصادية التى صاحبت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى منذ الربع الأخير من ٢٠١٦.

تحديدا فإن ما أقصده هو اخفاق الحكومة فى حماية المجتمع من التضخم الذى كان متوقعًا، وإخفاقها أيضا فى تحريك الاقتصاد الراكد كى يستفيد الناس من النتائج الإيجابية التي كان مفترضا أن تتحقق نتيجة لتطبيق برنامج الإصلاح.

الأركان الثلاثة الرئيسية للبرنامج ــ تحرير سعر الصرف وتخفيض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المُضافة ــ كانت ولا تزال فى حد ذاتها سليمة وضرورية لإخراج الاقتصاد المصرى من عثرته. ولهذا فلم أتردد فى تأييدها عند الإعلان عنها وفِى مساندتها كلما ثار الجدل بشأنها رغم الغضب المتصاعد حيالها. ولكن لم يقل أحد بأن برنامج الاصلاح ينحصر فى هذه الإجراءات الثلاثة.

لم يقل أحد بأن تقف الحكومة مكتوفة الايدى أمام موجة الغلاء العاتية التى ضربت المجتمع وتجاوزت ــ باعتراف صندوق النقد الدولى ــ ما كان محسوبا ومتوقعا وفقا للمعطيات الاقتصادية. ولكن ما حدث أن الحكومة عجزت عن تنظيم الاسواق والرقابة عليها ومنع الاستغلال والاحتكار من جانب التجار والمستوردين، ثم تقاعست عن فتح قنوات المنافسة لصغار المنتجين والموزعين كى يمكن للسوق تصحيح بعض هذه التجاوزات.

والنتيجة أن الانفلات الذى حدث فى الأسعار وبالذات خلال عام ٢٠١٧ لم يكن متناسبا مع زيادة أسعار الوقود أو مع انخفاض سعر الجنيه بل كان نتيجة غياب سياسة محددة للدولة فى التعامل مع الغلاء المرتقب. الإجراء الوحيد المدروس الذى اتخذته الحكومة كان تطبيق برنامجى «كرامة» و«تكافل» لتوفير دعم نقدى للفقراء عوضا عن الدعم العينى. ولكن ما كان يفترض أن يكون إجراء موجها للتعامل مع احتياجات الأكثر فقرا لم يسعف حينما طالت موجة الغلاء كل طبقات المجتمع المتوسطة والدنيا.

ولم يقل أحد بأن تكتفى الحكومة بالتحسن فى بعض مؤشرات الاقتصاد الكلية وتعتبرها كافية لتحقيق انتعاش اقتصادى وخلق فرص عمل ورفع مستوى معيشة المواطنين دون اتخاذ ما يلزم لتحفيز الاستثمار المحلى قبل الأجنبى وتشجيع القطاع الخاص لسد الفجوة الاستثمارية.

ولكن ما حدث أن الحكومة تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لجذب الاستثمار المحلى والأجنبى فى القطاعات المنتجة والقادرة على زيادة الانتاج المحلى وتوفير فرص العمل المستدامة وزيادة التصدير والقيمة المُضافة للمجتمع، وعلى رأسها الصناعة، واكتفت بالاحتفاء بزيادة الاستثمار الأجنبى فى الأوراق المالية الذى يمنح سيولة نقدية مطلوبة ولكن لا يدعم طاقة المجتمع الإنتاجية ولا يُحد من البطالة.

ولم يقل أحد بأن تترك الحكومة الخدمات العامة فى المدن القديمة وفى الارياف وفى المناطق العشوائية تتدهور بأكثر مما كانت متدهورة بسبب توجيه الموارد والاهتمام لتشييد مدن وعواصم جديدة، ولا بأن تطلب الحكومة من الناس التقشف واحتمال الغلاء بينما الدين العام يتزايد بشكل خطير ويهدد مستقبل أبنائنا.

لكل ما سبق فإن السؤال الان هو ما الذى اتخذته الحكومة هذه المرة للاستعداد لموجة الغلاء الثانية ولتوقى آثارها بخلاف نشر قوات مكافحة الشغب فى الشوارع والميادين وعلى أرصفة المحطات؟

الواقع أن الحكومة اعتمدت فى ادارتها للاقتصاد على مبدأ أن سكوت الناس وعدم خروجهم للتظاهر دليل على الرضا وعلى استتباب الأمن والاستقرار. والنَاس فعلا ساكتة ومتحملة للغلاء ولتدهور أحوال معيشتها لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا ولكن ليس من بينها الرضاء. وهذا من حسن الظروف لانه لا احد يرغب فى أن تضطرب احوال البلد أو تتعثر. ولكن هذا لا يعنى الارتكان إلى الوضع الحالى وافتراض أن صبر الناس وقدرتهم على الاحتمال والتأقلم مع الغلاء بلا حدود.

لا أتصور أن تستجيب الدولة لمطالب إلغاء أو ارجاء زيادات أسعار الوقود، ولكن لعلها على الأقل تخبرنا بما تنوى أن تفعله كى تجنب الناس الوقوع تحت مقصلة موجة غلاء ثانية، وكى تخرجنا من هذه الأزمة بمزيد من الانتاج وليس بمزيد من الاستدانة.

نقلا عن الشروق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:57 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
  مصر اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon