توقيت القاهرة المحلي 06:36:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية

  مصر اليوم -

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية

بقلم - زياد بهاء الدين

الغضب الواسع من الزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود في محله لأن غالبية الشعب لم تعد تتحمل المزيد من الغلاء بعد معاناتها طوال العامين الماضيين من تضخم أتى على مدخراتها وعلى قدرتها الشرائية وعلى شعورها بالأمان.

ولكن مع تقديري لهذه المعاناة، الا أن الغضب لا ينبغى أن يكون محله زيادة أسعار الوقود فى حد ذاتها بل مجمل السياسات الاقتصادية التى صاحبت تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى منذ الربع الأخير من ٢٠١٦.

تحديدا فإن ما أقصده هو اخفاق الحكومة فى حماية المجتمع من التضخم الذى كان متوقعًا، وإخفاقها أيضا فى تحريك الاقتصاد الراكد كى يستفيد الناس من النتائج الإيجابية التي كان مفترضا أن تتحقق نتيجة لتطبيق برنامج الإصلاح.

الأركان الثلاثة الرئيسية للبرنامج ــ تحرير سعر الصرف وتخفيض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المُضافة ــ كانت ولا تزال فى حد ذاتها سليمة وضرورية لإخراج الاقتصاد المصرى من عثرته. ولهذا فلم أتردد فى تأييدها عند الإعلان عنها وفِى مساندتها كلما ثار الجدل بشأنها رغم الغضب المتصاعد حيالها. ولكن لم يقل أحد بأن برنامج الاصلاح ينحصر فى هذه الإجراءات الثلاثة.

لم يقل أحد بأن تقف الحكومة مكتوفة الايدى أمام موجة الغلاء العاتية التى ضربت المجتمع وتجاوزت ــ باعتراف صندوق النقد الدولى ــ ما كان محسوبا ومتوقعا وفقا للمعطيات الاقتصادية. ولكن ما حدث أن الحكومة عجزت عن تنظيم الاسواق والرقابة عليها ومنع الاستغلال والاحتكار من جانب التجار والمستوردين، ثم تقاعست عن فتح قنوات المنافسة لصغار المنتجين والموزعين كى يمكن للسوق تصحيح بعض هذه التجاوزات.

والنتيجة أن الانفلات الذى حدث فى الأسعار وبالذات خلال عام ٢٠١٧ لم يكن متناسبا مع زيادة أسعار الوقود أو مع انخفاض سعر الجنيه بل كان نتيجة غياب سياسة محددة للدولة فى التعامل مع الغلاء المرتقب. الإجراء الوحيد المدروس الذى اتخذته الحكومة كان تطبيق برنامجى «كرامة» و«تكافل» لتوفير دعم نقدى للفقراء عوضا عن الدعم العينى. ولكن ما كان يفترض أن يكون إجراء موجها للتعامل مع احتياجات الأكثر فقرا لم يسعف حينما طالت موجة الغلاء كل طبقات المجتمع المتوسطة والدنيا.

ولم يقل أحد بأن تكتفى الحكومة بالتحسن فى بعض مؤشرات الاقتصاد الكلية وتعتبرها كافية لتحقيق انتعاش اقتصادى وخلق فرص عمل ورفع مستوى معيشة المواطنين دون اتخاذ ما يلزم لتحفيز الاستثمار المحلى قبل الأجنبى وتشجيع القطاع الخاص لسد الفجوة الاستثمارية.

ولكن ما حدث أن الحكومة تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لجذب الاستثمار المحلى والأجنبى فى القطاعات المنتجة والقادرة على زيادة الانتاج المحلى وتوفير فرص العمل المستدامة وزيادة التصدير والقيمة المُضافة للمجتمع، وعلى رأسها الصناعة، واكتفت بالاحتفاء بزيادة الاستثمار الأجنبى فى الأوراق المالية الذى يمنح سيولة نقدية مطلوبة ولكن لا يدعم طاقة المجتمع الإنتاجية ولا يُحد من البطالة.

ولم يقل أحد بأن تترك الحكومة الخدمات العامة فى المدن القديمة وفى الارياف وفى المناطق العشوائية تتدهور بأكثر مما كانت متدهورة بسبب توجيه الموارد والاهتمام لتشييد مدن وعواصم جديدة، ولا بأن تطلب الحكومة من الناس التقشف واحتمال الغلاء بينما الدين العام يتزايد بشكل خطير ويهدد مستقبل أبنائنا.

لكل ما سبق فإن السؤال الان هو ما الذى اتخذته الحكومة هذه المرة للاستعداد لموجة الغلاء الثانية ولتوقى آثارها بخلاف نشر قوات مكافحة الشغب فى الشوارع والميادين وعلى أرصفة المحطات؟

الواقع أن الحكومة اعتمدت فى ادارتها للاقتصاد على مبدأ أن سكوت الناس وعدم خروجهم للتظاهر دليل على الرضا وعلى استتباب الأمن والاستقرار. والنَاس فعلا ساكتة ومتحملة للغلاء ولتدهور أحوال معيشتها لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا ولكن ليس من بينها الرضاء. وهذا من حسن الظروف لانه لا احد يرغب فى أن تضطرب احوال البلد أو تتعثر. ولكن هذا لا يعنى الارتكان إلى الوضع الحالى وافتراض أن صبر الناس وقدرتهم على الاحتمال والتأقلم مع الغلاء بلا حدود.

لا أتصور أن تستجيب الدولة لمطالب إلغاء أو ارجاء زيادات أسعار الوقود، ولكن لعلها على الأقل تخبرنا بما تنوى أن تفعله كى تجنب الناس الوقوع تحت مقصلة موجة غلاء ثانية، وكى تخرجنا من هذه الأزمة بمزيد من الانتاج وليس بمزيد من الاستدانة.

نقلا عن الشروق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية الخلل ليس في سعر الوقود بل في السياسة الاقتصادية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon