بقلم - زياد بهاء الدين
الكل يتحدث عن التغيير الوزارى المرتقب.
طبيعى، أليس هذا ما يحدث فى أعقاب كل انتخابات رئاسية؟
رسميا فإن المادة (١٤٦) من الدستور تنص على أن «يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب»، وتضيف المادة (١٤٧) أنه «لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. ولرئيس الجمهورية إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس».
معنى ما سبق أن على رئيس الجمهورية، عند تشكيل حكومة جديدة أو إعفائها، أن يعرض الأمر على مجلس النواب للحصول على موافقة أغلبية أعضائه، بينما يلزم عليه عند إجراء تغيير فى بعض الوزراء أن يستشير رئيس مجلس الوزراء ثم يطلب موافقة مجلس النواب أيضا ولكن بأغلبية لا تقل عن ثلث عددهم.
المتوقع إذن هو إعادة تشكيل الحكومة قريبًا وعرضها على البرلمان، علما بأن مفهوم إعادة التشكيل قد يعنى قبول استقالة الحكومة ثم إعادة تكليفها مع تغييرات بسيطة أو حتى بلا أى تغيير على الإطلاق. فالعبرة ليست بمن يشغل المنصب الوزارى بل بمجرد إعادة تشكيل حكومة جديدة ولو بذات الأشخاص.
مع ذلك فإن الناس تتوقع تغيرات ورؤية وجوه ودماء جديدة، خاصة فى ضوء ما تضمنه خطاب السيد رئيس الجمهورية فى مناسبة حلف اليمين مطلع هذا الشهر ثم كلمته يوم إفطار الأسرة المصرية بعدها بأيام، من تأكيد على بدء مرحلة جديدة سوف تشهد انفراجات اقتصادية وسياسية.
شخصيا يهمنى تغيير السياسات أكثر من تغير الأشخاص، ولا أرى مانعا من أن يقبل وزراء «تكنوقراط» (بمعنى خبراء فى مجالاتهم الفنية وغير ذوى ميول سياسية) على تنفيذ توجهات وبرامج مختلفة عما كان مطبقا من قبل وفقا لتوجهات الدولة والتوجيهات الرئاسية. فدعونا إذن نفكر فيما نرجو أن نسمعه من الحكومة الجديدة حينما تقدم برنامجها لمجلس النواب سواء كانت بذات التشكيل أم ببعض الوجوه الجديدة.
وأقتصر هنا على نصيحتين تتعلقان بالخطاب العام دون الدخول فى تفاصيل البرامج والسياسات التى أخذت نصيبها من المناقشة والتعليق:
النصيحة الأولى هى أهمية أن يتجاوز الخطاب الحكومى الحالة الاحتفالية السائدة بنهاية الأزمة الاقتصادية إلى التعبير الصريح والواقعى عن حالتنا الراهنة. الناس على وعى بأن انفراجة كبيرة قد حدثت فى وضعنا المالى والدولى وفى سوق الصرف نتيجة لصفقة رأس الحكمة ولحصولنا على قروض ومعونات دولية جديدة. ولكن هذا لا يعنى أن الأزمة قد خفت ولا أسبابها زالت ولا الغلاء انحسر. وهذا واقع فى متناول الجميع ولا يمكن دحضه بأى قدر من البيانات والأرقام والشهادات الدولية. وأتمنى أن تدرك الحكومة أن الخطاب الاحتفالى محل انتقاد بين الناس وأن الصراحة والواقعية هما ما يتوقعونه وما يرفع من شأن المسؤولين ومن مصداقيتهم.
أما النصيحة الثانية فضرورة أن تتعامل الحكومة مع الرأى العام بقدر أكبر من الشفافية بدلا من الاكتفاء بالعناوين الرئيسية التى لا تتيح مجالًا لفهم حقيقة أو مناقشة ما يجرى. وأكتفى بمثالين فقط: صفقة رأس الحكمة التى رحبنا بها باعتبارها أكبر صفقة استثمار أجنبى مباشر تشهدها مصر وما ستجلبه من نشاط اقتصادى وطلب على المواد والخدمات المحلية وتشغيل وسياحة. مع ذلك ظل الترحيب مشوبا بالحذر لعدم إتاحة معلومات كافية عن مخطط المنطقة، ولا عن شروط البيع، ولا التزامات الطرفين. أما المثال الثانى فهو اقتصاديات المشروعات القومية العملاقة وبخاصة المدن الجديدة، تكاليفها الإجمالية، وكيف يتم تمويلها، وما عوائد التصرف فى وحداتها، وكيف يتم إدارتها، وما مراحلها المقبلة. إتاحة هذه المعلومات وغيرها لا تنتقص من قيمة ومصداقية الحكومة بل ترفع منها ولو جلبت معها أسئلة وهجوما ومعارضة ومناقشة. فهذا حق الناس وحق المجتمع ودافعى الضرائب. والجدل مهما كان متعبًا للمسؤولين إلا أن عائده السياسى والاجتماعى يستحق كل التعب.
تكليف حكومة جديدة ليس أمرا روتينيا حتى لو كان التغيير فيها محدودًا، ولا هو مجرد إجراء دستورى شكلى، بل فرصة لطرح برنامج والإعلان عن سياسات جديدة والعدول عما لم يعد مناسبا وفتح صفحة جديدة.. ولكن المطلوب هو قدر من الواقعية وكثير من الشفافية.