توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري؟

  مصر اليوم -

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري

بقلم - زياد بهاء الدين

لا يكاد يمر علينا أسبوع دون أن تفاجئنا أخبار متداولة بين الناس عن إزالة مبان أو حدائق أو مقابر أو معالم أخرى من تراثنا المعمارى والحضارى العريق.

إن الانطباع المستقر فى أذهان الناس أن الأولوية للتطوير والإزالة والاستثمار العقارى قبل الحفاظ والصيانة، وأن اعتراض سكان المناطق المعنية والمهتمين بالتراث قد ينجح فى إرجاء نزول معول «التطوير» لحين، ولكنه لن ينقذ تراثنا المعمارى من مصيره المحتوم.. قد لا تكون كل هذه المخاوف فى محلها، وقد تكون بعض أعمال الإزالة والتطوير لازمة بالفعل.

ولكن أمرين يبرّران مخاوف الناس: الأول أن ما جرى بالفعل من إزالة لبيوت ومقابر تاريخيّة وإنشاء لمحلات مكان حدائق وهدم معالم تراثية لإفساح الطريق أمام طرق وكبارى ومساكن خاصة ومحال تجارية لم يكن بالقليل. والثانى غياب المعلومات المسبقة عما يخطط له أو آليات للتشاور مع سكان المناطق المعنية والخبراء.

■ ■ ■

دعونا لا نتوقف عند رصد الظاهرة أو الاكتفاء بتفسيرات انطباعية أو إبداء الاستياء، بل نبحث معا فى الأصول المؤسسية لهذه القضية الهامة. وفى تقديرى أن هناك ثلاثة عوامل مؤسسية تستحق التوقف عندها:

هناك أولا «فجوة رقابية» سببها عدم وجود جهة معنية وقادرة على حماية تراث مصر المعمارى والحضارى. وأفرق هنا بين المعالم الأثرية والمعالم التراثية. الأولى لها قانون للآثار يحميها ومجلس أعلى يحرسها ووزارة (السياحة والآثار) يمكن مساءلتها. والقانون صارم والعقوبات شديدة والقائمون عليه - فيما لمسته من التعامل معهم - حريصون على الحفاظ على الآثار. ولكن الآثار وفقا للقانون هو ما جرى تصنيفه على هذا النحو وقيده لدى المجلس الأعلى. أما كل ما يقع خارج هذا التصنيف الرسمى - ما أسميه المعالم «التراثية» - فلا صاحب له ولا رقيب. هناك عدة جهات مرتبطة، جهاز التنسيق الحضارى له دور ولكنه أقرب إلى الاستشارى منه إلى التنفيذى ولا سلطة فعلية لديه.

ووزارة الإسكان مشغولة بالتشييد والبناء أكثر من الحفاظ والصيانة. والمحليات صاحبة الولاية المباشرة جزء من المشكلة لا الحل. ووزارة الثقافة لا يبدو لها دور فى الموضوع. وللأمانة فليس الموضوع كله فى يد الحكومة بل بعض أصحاب العقارات القديمة والمعالم التراثية يفضلون تركها للانهيار - أو دفعها للانهيار - بحثا عن بيعة مجزية لصاحب مشروع سكنى أو مول تجارى. والنتيجة كما قلت إن هناك فراغا فى الإطار المؤسسى للحفاظ على معالم المدن التراثية والحضارية، وفجوة رقابية، وغياب لجهة مختصة وقادرة على الحفاظ على تاريخنا المعمارى.

هناك أيضا غياب لنظام الاستثمار فى الحفاظ على المعالم التراثية. التصور السائد لا يزال بأن الاستثمار التجارى هو الدافع وراء الهدم والإزالة واستبدال مبان تاريخية بمساكن ومحال ومقاهى قبيحة. والحقيقة أن الاستثمار فى التراث موضوع منظم عالميا وله أصول وقواعد وقوانين، وهو وسيلة للحفاظ على الحضارة والمعالم الثقافية للبلد عن طريق توفير التمويل اللازم للصيانة ودفع الشباب للعمل فى مجالات جديدة وجذب السياحة لأماكن مختلفة ومثيرة. وهذا لا يتحقق إلا بوضع نظام لتشجيع الاستثمار التراثى الذى يحافظ ويصون ويجدد ويرفع من شأن المدن القديمة.

وأخيرا فان المدافع الطبيعى عن التراث الحضارى والثقافى هو المجتمع الأهلى ومنظماته التى بطبيعتها أقرب للواقع على الأرض ولفهم قيمة المعالم التراثية والتفاعل مع أهالى المناطق المعنية. ولكن فى ظل انحسار دور المجتمع الأهلى عموما فإن هذه المساحة ضاقت واقتصر المشاركون فيها على المخلصين والمقاتلين بدأب لحماية ملامح حضارية تتراجع وتختفى يوما وراء يوم. هناك قدر من التطوير والتحديث المطلوب فى أى مجتمع، والقضية ليست الحفاظ على أى مبنى قديم أو آيل للسقوط، أو رفض كل مشروع للمنفعة العامة. ولكن هناك توازنا ضائعا بين التطوير والتحديث من جهة وبين الحفاظ والصيانة من جهة أخرى.

نحتاج بالتاكيد لتعديلات تشريعية واختصاصات رقابية جديدة. ولكن نحتاج قبل ذلك لإعادة الاعتبار الذهنى لقيمة مدننا القديمة. ونحتاج لتمكين المجتمع الأهلى من الدفاع عن معالمنا الحضارية التى لا تقدر بمال. ونحتاج من الحكومة أن تتيح المعلومات مسبقا عن مشروعات الإزالة والهدم والاستماع لأصحاب الخبرة والسكان. ونحتاج لتشجيع وتنظيم الاستثمار فى مجال صيانة وتجديد واستغلال المعالم التراثية بما لا يحط من شأنها بل يزيدها قيمة وشهرة ورونقا.

نحتاج فهما وتقديرا لأغلى ما عندنا بدلا من إزالته واستبداله بما هو متاح فى كل مكان آخر من العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري من يحمي تراثنا المعماري والحضاري



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon