توقيت القاهرة المحلي 15:32:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري؟

  مصر اليوم -

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري

بقلم - زياد بهاء الدين

لا يكاد يمر علينا أسبوع دون أن تفاجئنا أخبار متداولة بين الناس عن إزالة مبان أو حدائق أو مقابر أو معالم أخرى من تراثنا المعمارى والحضارى العريق.

إن الانطباع المستقر فى أذهان الناس أن الأولوية للتطوير والإزالة والاستثمار العقارى قبل الحفاظ والصيانة، وأن اعتراض سكان المناطق المعنية والمهتمين بالتراث قد ينجح فى إرجاء نزول معول «التطوير» لحين، ولكنه لن ينقذ تراثنا المعمارى من مصيره المحتوم.. قد لا تكون كل هذه المخاوف فى محلها، وقد تكون بعض أعمال الإزالة والتطوير لازمة بالفعل.

ولكن أمرين يبرّران مخاوف الناس: الأول أن ما جرى بالفعل من إزالة لبيوت ومقابر تاريخيّة وإنشاء لمحلات مكان حدائق وهدم معالم تراثية لإفساح الطريق أمام طرق وكبارى ومساكن خاصة ومحال تجارية لم يكن بالقليل. والثانى غياب المعلومات المسبقة عما يخطط له أو آليات للتشاور مع سكان المناطق المعنية والخبراء.

■ ■ ■

دعونا لا نتوقف عند رصد الظاهرة أو الاكتفاء بتفسيرات انطباعية أو إبداء الاستياء، بل نبحث معا فى الأصول المؤسسية لهذه القضية الهامة. وفى تقديرى أن هناك ثلاثة عوامل مؤسسية تستحق التوقف عندها:

هناك أولا «فجوة رقابية» سببها عدم وجود جهة معنية وقادرة على حماية تراث مصر المعمارى والحضارى. وأفرق هنا بين المعالم الأثرية والمعالم التراثية. الأولى لها قانون للآثار يحميها ومجلس أعلى يحرسها ووزارة (السياحة والآثار) يمكن مساءلتها. والقانون صارم والعقوبات شديدة والقائمون عليه - فيما لمسته من التعامل معهم - حريصون على الحفاظ على الآثار. ولكن الآثار وفقا للقانون هو ما جرى تصنيفه على هذا النحو وقيده لدى المجلس الأعلى. أما كل ما يقع خارج هذا التصنيف الرسمى - ما أسميه المعالم «التراثية» - فلا صاحب له ولا رقيب. هناك عدة جهات مرتبطة، جهاز التنسيق الحضارى له دور ولكنه أقرب إلى الاستشارى منه إلى التنفيذى ولا سلطة فعلية لديه.

ووزارة الإسكان مشغولة بالتشييد والبناء أكثر من الحفاظ والصيانة. والمحليات صاحبة الولاية المباشرة جزء من المشكلة لا الحل. ووزارة الثقافة لا يبدو لها دور فى الموضوع. وللأمانة فليس الموضوع كله فى يد الحكومة بل بعض أصحاب العقارات القديمة والمعالم التراثية يفضلون تركها للانهيار - أو دفعها للانهيار - بحثا عن بيعة مجزية لصاحب مشروع سكنى أو مول تجارى. والنتيجة كما قلت إن هناك فراغا فى الإطار المؤسسى للحفاظ على معالم المدن التراثية والحضارية، وفجوة رقابية، وغياب لجهة مختصة وقادرة على الحفاظ على تاريخنا المعمارى.

هناك أيضا غياب لنظام الاستثمار فى الحفاظ على المعالم التراثية. التصور السائد لا يزال بأن الاستثمار التجارى هو الدافع وراء الهدم والإزالة واستبدال مبان تاريخية بمساكن ومحال ومقاهى قبيحة. والحقيقة أن الاستثمار فى التراث موضوع منظم عالميا وله أصول وقواعد وقوانين، وهو وسيلة للحفاظ على الحضارة والمعالم الثقافية للبلد عن طريق توفير التمويل اللازم للصيانة ودفع الشباب للعمل فى مجالات جديدة وجذب السياحة لأماكن مختلفة ومثيرة. وهذا لا يتحقق إلا بوضع نظام لتشجيع الاستثمار التراثى الذى يحافظ ويصون ويجدد ويرفع من شأن المدن القديمة.

وأخيرا فان المدافع الطبيعى عن التراث الحضارى والثقافى هو المجتمع الأهلى ومنظماته التى بطبيعتها أقرب للواقع على الأرض ولفهم قيمة المعالم التراثية والتفاعل مع أهالى المناطق المعنية. ولكن فى ظل انحسار دور المجتمع الأهلى عموما فإن هذه المساحة ضاقت واقتصر المشاركون فيها على المخلصين والمقاتلين بدأب لحماية ملامح حضارية تتراجع وتختفى يوما وراء يوم. هناك قدر من التطوير والتحديث المطلوب فى أى مجتمع، والقضية ليست الحفاظ على أى مبنى قديم أو آيل للسقوط، أو رفض كل مشروع للمنفعة العامة. ولكن هناك توازنا ضائعا بين التطوير والتحديث من جهة وبين الحفاظ والصيانة من جهة أخرى.

نحتاج بالتاكيد لتعديلات تشريعية واختصاصات رقابية جديدة. ولكن نحتاج قبل ذلك لإعادة الاعتبار الذهنى لقيمة مدننا القديمة. ونحتاج لتمكين المجتمع الأهلى من الدفاع عن معالمنا الحضارية التى لا تقدر بمال. ونحتاج من الحكومة أن تتيح المعلومات مسبقا عن مشروعات الإزالة والهدم والاستماع لأصحاب الخبرة والسكان. ونحتاج لتشجيع وتنظيم الاستثمار فى مجال صيانة وتجديد واستغلال المعالم التراثية بما لا يحط من شأنها بل يزيدها قيمة وشهرة ورونقا.

نحتاج فهما وتقديرا لأغلى ما عندنا بدلا من إزالته واستبداله بما هو متاح فى كل مكان آخر من العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يحمي تراثنا المعماري والحضاري من يحمي تراثنا المعماري والحضاري



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon