بقلم - زياد بهاء الدين
الكتابة عن غزة وسكانها ليست سهلة.
فما الذى يمكن أن تضيفه الكتابة والمقالات إلى الواقع الذى يعيشه المليونان وربع المليون فلسطينى المحاصرون منذ أسبوع كامل، والذين يتعرضون لقصف يومى، ومهددون فى أى لحظة باجتياح إسرائيلى وبمحاولة جديدة لطردهم من أرضهم؟
ولكن السكوت أيضًا غير ممكن. وإن كان لأصواتنا- من مصر والوطن العربى ومن كل أنحاء العالم- أن تصل للغزاويين وللشعب الفلسطينى فلعلها تدعمهم معنويًا فى عزلتهم، وعلى أرضهم التى صارت سجنًا اختاروا ألا يبرحوه أو يتنازلوا عنه مهما كان المقابل، ومهما كان الثمن.
ولكن هل بيدنا أن نفعل أكثر من الكلام والكتابة لمناصرة أهل غزة والشعب الفلسطينى فى هذه المحنة الكبرى؟ السؤال يتردد بين الناس، حتى من كان منهم حتى وقت قريب فى حيرة من أمره أو غير واثق من موقفه بسبب تعقد المشهد. ولكن رد الفعل الإسرائيلى الانتقامى بدد الحيرة ولم يترك مكانًا للتردد أو المفاضلة بين الآراء، ووحد الصف العربى وجانبًا لا يُستهان به من الرأى العام العالمى وراء إنقاذ أهل غزة من واحدة من أكبر عمليات الانتقام الجماعى والإبادة المنظمة والتهجير القسرى فى العصر الراهن.
نعود لسؤال: هل يمكننا عمل أكثر من التأييد والمناصرة بالكلام والكتابة؟.. نعم هناك الكثير والضرورى.
ضرورى استمرار تصاعد الصوت الجماهيرى العربى دعمًا لأهل غزة المحاصرين ولحقوق الشعب الفلسطينى، فهذا ليس موقفًا معنويًا فقط، بل يشحذ الرأى العام وراء الحكومات العربية لاتخاذ مواقف مساندة للجانب الفلسطينى. والمظاهرات القليلة التى انطلقت فى المدن العربية وفى عواصم الدول الأجنبية لم توقف العدوان الإسرائيلى ولا خففت من وطأة الحصار، ولكنها أكدت أن شعوب المنطقة لا تقبل هذا العدوان الوحشى على غزة وأهلها، وستقف وراء الدول العربية المتخذة مواقف وطنية واضحة.
علينا أيضًا أن نعمل على بناء واستمرار موقف عربى جماهيرى متحد حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى. فما نشهده اليوم من انفجار للغضب الفلسطينى ومن انتقام إسرائيلى مروع هو بالأساس نتيجة السياسات الإسرائيلية الاستيطانية وإمعان اليمين الإسرائيلى المتطرف فى إهدار أبسط الحقوق الفلسطينية وأقلها طموحًا. ولكنه أيضًا نتاج تجاهل القضية الفلسطينية وتحولها إلى موضوع هامشى على جدول الأعمال العربى والدولى.
نحتاج إذن للرجوع إلى أصل الموضوع، وهو نصرة الشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال بكل الوسائل المتاحة وبعيدًا عن الصراعات الدائرة بين قياداته وطوائفه وفرقه المختلفة. هذا الموقف العربى المتحد يجب أن يكون قويًا ومعاصرًا، يعترف بواقع اليوم، ويتبنى موقفًا منحازًا بلا تردد للجانب الفلسطينى لأنه المعتدى عليه والمحتل والمنزوعة حقوقه، ولكن ينبذ العنصرية والطائفية ويحترم قواعد القانون الدولى بمعيار واحد لا بمكيالين.
أما فى المجال العملى فعلينا شحذ الجهود الأهلية وراء مساندة أهل غزة حينما تُفتح المعابر ويُسمح بدخول المساعدات الطبية والغذائية ومتطلبات البنية التحتية داخل القطاع. هذا جهد لا ينبغى أن يقتصر على المساعدات الحكومية فقط، بل يجب أن يساهم فيه المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية والمهتمون من الأشخاص بما يضاعف من زخمه وموارده من جهة، ويؤكد مرة أخرى أن الشعوب العربية لم تنسَ ولن تنسى الشعب الفلسطينى فى محنته.
قد يكون كل هذا قليلًا وبلا أهمية مباشرة فى التأثير على الأحداث الجارية على أرض غزة، ولكنه بيدنا فدعونا نبادر به.