توقيت القاهرة المحلي 06:36:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى

  مصر اليوم -

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى

بقلم : زياد بهاء الدين

المجتمع المدنى فى العالم كله ليس طرفا دخيلا ولا ضيفا ثقيلا على البلد، بل هو شريك أساسى فى التنمية وفى صنع القرار ومصدر للموارد والجهود والأفكار التى تدعم برامج الحكومة التنموية، سواء أكان ذلك فى مجال الحد من الفقر أم تحسين الخدمات العامة أم نشر الوعى بقيم العدالة والمساواة والمواطنة. والدول التى تدرك قيمة المجتمع المدنى تكون حريصة على أن توفر لمنظماته والعاملين فيها الظروف المناسبة لتشجيع نشاطهم وتوفير المناخ الذى يكفل حمايتهم. وهذا لا يعنى أنها دول غافلة عن الرقابة على النشاط الأهلى والتحقق من أنه لا يخالف القانون أو يستغل لتسهيل التدخل الأجنبى فى شئونها الداخلية، بل لديها جميعا قوانين وجهات رقابية تراقب النشاط الأهلى وتتابع التمويل الوارد إليه من الخارج ولكن بشكل حديث ومتوازن لا يؤدى لتضييق الخناق عليه إلى الحد الذى يحرم البلد من الإضافة الكبيرة التى يقدمها للمجتمع.

وسبب الاهتمام بالمجتمع المدنى وبرعايته أن الجهاز التنفيذى فى أى بلد، مهما توافرت له الموارد، لا يمكنه أن يلبى جميع احتياجات المواطنين أو ينجح فى التواصل معهم والاستجابة لمطالبهم. أما المنظمات الأهلية فإنها تنشأ من المجتمع وبين الناس وتتعامل مع مشكلاتهم اليومية عن قرب ولديها القدرة على حشد الجهود التطوعية والموارد والمساهم فى التنمية وملء الفجوات البعيدة عن إمكانات وأدوات الجهاز التنفيذى، ولهذا فإنها مكملة لدور الدولة ولكن ليست منافسة له ولا بديلة عنه.
ولكن الوضع فى مصر، وبسبب تطورات وسوء فهم متراكم على مدى عقود طويلة، أصبح مقلوبا. التصور العام السائد فى الدوائر الرسمية أن المجتمع المدنى دخيل على الدولة ومخترق من الجهات الأجنبية وعامل للهدم والتخريب ومنافس للسلطة التنفيذية، ولهذا فلابد من تقييده وتحجيمه والحد من آثاره السلبية قدر الإمكان.
والتقييد الذى أقصده هنا ليس مرتبطا فقط بالتمويل الأجنبى وحده كما يتردد كثيرا فى الإعلام، فهذا ليس إلا موضوعا واحدا مما يشغل الجمعيات المصرية وليس أهمها. القيود الأشد وطأة هى تلك التى تؤثر على النشاط اليومى: الموافقات اللازمة لتنفيذ كل نشاط حتى ما هو منصوص عليه فى النظم الأساسية، والإجراءات المعقدة لفتح الحساب أو تغيير المقر أو تعديل مجلس الإدارة أو تلقى التمويل من أفراد وجهات مصرية أو غير ذلك من أوجه النشاط المعتاد التى تعرقل نشاط الجمعيات وتجعلها تنفق جهودا وموارد الأجدر أن يتم توجيهها للنشاط الذى تخدم به المجتمع.

ولكن هل المشكلة فى القانون؟ أم فى أسلوب تطبيقه؟ أم غير ذلك؟
القانون بالتاكيد قلب المشكلة وأساسها. فالقانون الصادر العام الماضى (رقم ٧٠ لسنة ٢٠١٧) فى غفلة من الزمن ومن المنطق ودون حتى استشارة وزارة التضامن الاجتماعى المسئولة عن تطبيقه، هو الأسوأ فى سلسلة قوانين متعاقبة من منتصف الستينيات، كلها سيئة ومقيدة للمجتمع المدنى وإن كان القانون الأخير غلبها جميعا لأنه مثل تراجعا حتى عن المكتسبات البسيطة التى انتزعتها الحركة الأهلية خلال العقود الماضية. هذا القانون بحاجة للمراجعة دون حساسية من جانب الدولة أو اعتقاد بأن وراء كل مطالبة بتعديله أو تخفيف قيوده يقف جهاز استخباراتى أجنبى أو مؤامرة داخلية.

ولكن تعديل القانون، حتى لو حدث، لن يكون كافيا لإزالة حالة التوجس السائدة فى الدوائر الرسمية تجاه المنظمات الأهلية. هناك حاجة لمصالحة اكثر شمولا مع المفهوم ذاته، تعيد توضيح طبيعة الدور الحيوى الذى يملك أن يمارسه المجتمع المدنى لو أتيحت له الفرصة، والقيمة المُضافة الهائلة التى بمقدوره أن يقدمها فى مختلف مجالات التعليم والصحة والثقافة والتوعية وحماية حقوق الفئات الضعيفة وتنمية المناطق المحرومة وغيرها مما يحتاجه المجتمع فى ظل الوضع الاقتصادى الحالى أكثر من أى وقت مضى.

من حق الدولة، بل واجبها، ان تراقب المجتمع المدنى وتتحقق من عدم استغلاله لتهديد أمن الوطن على نحو ما تفعل مع أى قطاع أو نشاط آخر. ولكن لا داعى لأن تتحول الرقابة إلى قيد عَلى الحرية وعلى النشاط يضيع على البلد فرصة الاستفادة بموارد وجهود ونوايا حسنة، بل يجب فتح صفحة جديدة مع المجتمع المدنى تتيح للدولة القيام بواجباتها الرقابية ولكن بالأسلوب والمنطق والأدوات التى لا تحرم الوطن والمواطنين من هذه الطاقة التنموية الهائلة.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى المصالحة الواجبة مع المجتمع المدنى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon