توقيت القاهرة المحلي 06:29:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القطاع العام.. هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله؟

  مصر اليوم -

القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله

بقلم : زياد بهاء الدين

خلال الأسابيع القليلة الماضية، طالعتنا وسائل الاعلام بالعديد من الأخبار والتصريحات المتعلقة بالشركات والأصول المملوكة للدولة أو التى يساهم فيها المال العام. وسوف استخدم هنا تعبير «القطاع العام» للإشارة إلى كل هذه الشركات مع اختلاف أنواعها والنظم القانونية الخاضعة لها. 
من بين هذه الأخبار، القرار الذى اتخذته الجمعية العامة للشركة القابضة للتعمير والاسكان بتصفية الشركة القومية للاسمنت، والقرار الحكومى بطرح نسب متفاوتة من أسهم بعض شركات القطاع العام للتداول فى البورصة، وتصريح السيد وزير قطاع الاعمال العام بأن الدولة لن تتحمل استمرار نزيف خسائر الشركات، وبدأ تأسيس صندوق مصر السيادى وتعيين ادارته، ثم أخبار كثيرة عن المشروعات والشركات الجديدة التى تقوم الدولة بإنشائها فى مختلف المجالات بواسطة أجهزتها المدنية والعسكرية.

فما الذى يجرى بالضبط للقطاع العام؟ هل هو تطوير، أم خصخصة، أم تصفية للوحدات الخاسرة؟ أم على العكس من ذلك توسع فى النشاط الاقتصادى للدولة من خلال شركات ومشروعات جديدة؟ 
شخصيا لست ضد بيع شركات وأصول القطاع العام بشكل مطلق طالما كان وراء ذلك مبرر واضح ومقنع وسياسة متسقة مع نفسها، بقدر ما أننى لست أيضا مع بيع وتصفية القطاع العام فى كل الأحوال لمجرد الانحياز الايديولوجى. الطبيعى أن يكون للدولة سياسة محددة تستند اليها فى تحديد ما يتم بيعه أو تصفيته وما يجرى العمل على تطويره والاحتفاظ بملكيته وفقا لرؤية واضحة المعالم عن الدور الاقتصادى للدولة. ولكن ما يبعث على الحيرة والقلق معا هو التناقض بين السياسات. 
فإن كان المستهدف من اعادة احياء برنامج الخصخصة أو توسيع قاعدة ملكية الشركات العامة هو تقليص دور الدولة فى المجالات الاقتصادية المختلفة واتاحة الفرصة لنمو القطاع الخاص، فان هذا لا يتسق مع التوسع المستمر فى نشاط الدولة فى مجالات ومشروعات جديدة، كثير منها ينافس القطاع الخاص بشكل مباشر ويعطل نموه دون أن يكون ذا أهمية استراتيجية خاصة. 

وان كانت الدولة تسعى لتصفية الشركات الخاسرة من أجل وقف النزيف الذى يرهق الموازنة العامة ويستهلك الموارد المطلوبة للتنمية، كما قيل بالنسبة للشركة القومية للاسمنت مثلا، فما مبرر تنفيذ هذه السياسة على شركات قطاع الاعمال العام وحدها دون باقى الشركات والمؤسسات العامة التى تحقق خسائر باهظة ولا يجرى التفكير فى تصفيتها أو حتى اعادة هيكلتها بجدية. ويحضرنى فى هذا الصدد مثال مؤسف للغاية لبعض المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة التى تستمر فى إصدار مطبوعات وبث برامج لا يقرأها أو يتابعها أحد وتستنزف موارد عامة هائلة بلا أى عائد، وهذا مجرد مثال لقطاع اقتصادى واحد.

أما إذا كان المقصود هو العمل على بناء قطاع عام جديد مع ترك القطاع العام القديم لكى يتلاشى ويختفى تدريجيا، وهو ما أتصور أنه الوصف الأدق لما يجرى العمل عليه، فإن هذه سياسة معيبة لسببين: الاول أنه فى غياب نظم الرقابة والحوكمة والإدارة السليمة لمشروعات وشركات القطاع العام الجديد فلن يوجد ما يحميه مع مرور الوقت من الإصابة بنفس أعراض الركود والبيروقراطية التى عرقلت القطاع العام القديم وجعلته يتحول إلى عبء على الاقتصاد القومى بدلا من أن يكون سندا له. وأما السبب الثانى فهو أن توجيه كل الطاقات والموارد والاهتمام نحو بناء قطاع عام جديد لابد أن يؤدى إلى الإسراع بوتيرة انهيار القطاع العام القديم وتدهور إنتاجيته وزيادة اعبائه بما يجعل تصفيته حتمية ويلغى واقعيا احتمال اعادة هيكلته وتطويره ورفع كفاءته كى يحقق عائدا أفضل. 

ويزيد من تعقيد هذا المشهد أن ما أطلقت عليه وصف القطاع العام فى مطلع المقال، تعبيرا عن كل الشركات التى تملكها الدولة أو تساهم فيها، يشمل فى الحقيقة تنوعا كبيرا بين شركات قطاع الاعمال العام، وشركات القطاع العام التقليدية، وأخرى تملكها الدولة وهيئاتها فى ظل قانون شركات القطاع الخاص، وغيرها تملكها البنوك العامة، وهذا غير المشروعات التى تملكها أو تساهم فيها هيئات القوات المسلحة. والولاية على كل هذه الشركات مقسمة بين وزارة قطاع الاعمال العام، والوزارات المختلفة القطاعية كل فيما يتبعه، ووزارة المالية التى تعتبر مالكة لها جميعا، والبنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزى. 
هذا المشهد القانونى المعقد يضاعف من أهمية أن يكون للدولة سياسة واحدة متسقة مع نفسها لتحديد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وبالتالى مستقبل القطاع العام، خاصة أنه فى نهاية الأمر يمثل أصولا مملوكة للدولة، ومن حق الشعب ــ المالك النهائى لها ــ أن يعلم بما يجرى التدبير له ويشارك فى اتخاذ القرار.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله القطاع العام هل يجرى تطويره أم تصفيته أم استبداله



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon