توقيت القاهرة المحلي 18:18:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصعيد.. ونوعية التنمية المطلوبة

  مصر اليوم -

الصعيد ونوعية التنمية المطلوبة

بقلم : زياد بهاء الدين

  يشكو زوار الصعيد، خاصة من المسئولين والإعلاميين، من كثرة شكاوى الصعايدة من الظلم والإهمال الواقع عليهم، ويعتبرون ــ الزائرون بالطبع وليس أهل الصعيد ــ أن فى الأمر مبالغة، وأن الحقيقة أن الدولة تعطى الصعيد أكثر من نصيبه العادل من الاهتمام والموارد دون أن يقابل ذلك أى تقدير أو عرفان.

الصعايدة كثيرو الشكوى بالفعل، ولكنها شكوى فى محلها. فمحافظات الصعيد هى الأكثر فقرا فى مصر وفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، ويحتل صدارة الفقر من بينها أسيوط تليها سوهاج ثم قنا ثم المنيا ثم أسوان ثم بنى سويف ثم الأقصر، ومستوى الخدمات العامة بالصعيد هو الأسوأ فى مصر، ومؤشرات التنمية البشرية أقل من المتوسط العام بمسافات كبيرة.

من جهة أخرى فإن ما يُنشر فى الاعلام يؤكد أن الدولة مهتمة بالفعل بالصعيد. تأملوا أخبار الأسبوع الماضى وحده والتى تضمنت قرب صدور قانون بإنشاء هيئة جديدة لتنمية جنوب الصعيد، وتوجيه ٤٥٪؜ من تمويل جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة (الجديد أيضا) للصعيد، والاتفاق مع البنك الدولى على رصد خمسمائة مليون دولار لتنمية محافظتى سوهاج وقنا، وقرار إنشاء كلية جديدة للتكنولوجيا فى بنى سويف. فإن كانت الدولة تضع الصعيد فى مقدمة أولوياتها وتسخر له كل هذه الامكانات والموارد، فَلِمَ تستمر الشكوى؟

فى تقديرى أن خبرة الصعايدة مع مثل هذه القرارات، والصادرة بالتأكيد بنية طيبة، علمتهم أنه لا إنشاء هيئة جديدة مختصة بتنمية الصعيد سوف يأتى بنتيجة حقيقية، ولا ضخ المزيد من الأموال لصغار المستثمرين، مادام التفكير لم يُعَدْ فى الإطار العام الحاكم للتنمية فى الصعيد.

المنطق العام للتنمية فى الصعيد الذى ساد طوال العقود الخمسة الماضية، وأخشى أن يكون مستمرا، هو ضرورة العمل على وقف الزحف الصعيدى شمالا لأنه يؤدى إلى «ترييف» نمط الحياة فى المدن، ويستنزف الخدمات والمرافق بها، ويحد من توافر العمالة الزراعية جنوبا، كما أنه خطر أمنى يلزم التحوط منه. وقد تفاقمت هذه المخاوف فى أعقاب ثورات الربيع العربى مع زيادة البطالة بسبب عودة مئات الآلاف من الشباب ليس فقط من مواقع العمل بالغردقة والقاهرة والجيزة وإنما أيضا من ليبيا وسوريا والكويت واليمن.

هذا التوجه العام أفضى إلى اعتبار أن حل مشاكل الصعيد يبدأ من توفير مظلة «كرامة» و«تكافل» للأكثر احتياجا من جهة، وتوفير التمويل منخفض الفائدة للشباب الراغبين فى بدء أعمالهم من جهة ثانية، وتشجيع الأنشطة الصناعية كثيفة العمالة على تأسيس مصانع جديدة. وفِى هذا الإطار يمكن فهم توجه الدولة نحو انشاء المزيد من المناطق الصناعية فى الصعيد، واستكمال ترفيق القائم منها، ومنح الأراضى الصناعية والاستثمارية بالمجان، وإطلاق مبادرات مختلفة لإتاحة التمويل منخفض الفائدة، وفتح فروع لمكاتب الاستثمار، بل والتفكير فى مد نطاق اتفاقية «الكويز» المبرمة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى الصعيد من أجل تشجيع الصناعات النسيجية وغيرها من الأنشطة كثيفة العمالة.

ولكن على الرغم من أن التوجه نحو زيادة الاستثمار والتشغيل فى الصعيد ــ أيا كانت دوافعه – محمود فى حد ذاته وواجب التشجيع والمساندة، فإنه غير كاف لتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة فى أكثر محافظات مصر فقرا واحتياجا، بل الأرجح أنه لو طُبق بمفرده وبمعزل عن برنامج أكثر شمولا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية فإنه لن يؤدى إلا إلى حشد شباب الصعيد لتوفير عمالة غير ماهرة ورخيصة للمصانع التى تشكو من ارتفاع تكلفة التشغيل شمالا، أو إلى مزيد من المديونية لمشروعات عاجزة عن الإنتاج الكفء والتسويق والتصدير، والنتيجة فى أحسن الأحوال هى انخفاض البطالة ولكن دون أن يصاحب ذلك تحسن فى مستويات المعيشة.

هذا البرنامج المطلوب للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لابد أن يتضمن الارتقاء بالخدمات العامة المنهارة خاصة فى مجالى التعليم والصحة (وأنا استخدم وصف «منهارة» بمنتهى الدقة من واقع المتابعة الشخصية وليس من قبيل المبالغة)، واستكمال المرافق الأساسية وعلى رأسها الصرف الصحى، والعمل على الارتفاع بمستويات التدريب والإنتاجية لشباب وشابات الصعيد كى يحصلوا على العائد المناسب من عملهم، وتوفير المناخ الداعم للنشاط الأهلى الذى يملك أن يلعب دورا تنمويا بالغ الأهمية لو خففت الدولة من التضييق غير المبرر على مؤسساته.

كل ما سبق لا يمكن تحقيقه دون أن تغير الدولة والمسئولون والإعلاميون نظرتهم نحو الصعيد ومشاكله، ويقتنعوا بأن الصعايدة ليسوا مصدر تهديد لباقى البلد، ولا هم عبء على موارد الدولة، ولا ينبغى أن يكونوا مجرد مصدر للعمالة الفتية والرخيصة، وأن حلم كل شاب من الصعيد ليس الهروب إلى القاهرة للعيش فى ظروف شاقة وغير آدمية، بل البقاء مع عائلته ورعاية أهله لو توافرت له الظروف المعيشية المعقولة وفرص العمل المجزية.

اهتمام الدولة بالصعيد ضرورى، ولكن المهم أن يتم توظيف الجهد والموارد فى موضعها الصحيح، وهذا يحتاج فهم أكثر عمقا لمشاكل الصعيد وتقدير واحترام لمطالب أهله وتطلعاتهم.

نقلاً عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصعيد ونوعية التنمية المطلوبة الصعيد ونوعية التنمية المطلوبة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon