بقلم : زياد بهاء الدين
يهل علينا عام جديد فى ظل ظروف دولية واقليمية مضطربة ومحملة بغيوم اقتصادية وسياسية كثيفة، على نحو يخشى معه من تباطؤ التجارة العالمية، وتراجع معدلات الاستثمار والنمو، وتفاقم أزمة الديمقراطية فى اعرق بلدانها، واستمرار تدهور المناخ العالمى، وتصاعد احتمالات الهجرة الجماعية من البلدان التى عجزت عن تقديم الحد الأدنى من الأمن والحماية الاجتماعية وفرص العمل لشبابها.
أما اقليميا فإن العالم عربى يبدو أقل استقرارا مما كان من عام مضى. فمع الصراعات والحروب المستمرة فى اليمن وسوريا وليبيا، وعدم الاستقرار فى العراق وتونس ولبنان، زاد على الخريطة العربية التظاهرات الشعبية فى السودان، والاضطراب السياسى فى المملكة السعودية، وحتى الإمارات العربية التى ضربت فى الأعوام الماضية كل الأرقام القياسية تترقب بحذر احتمال تراجع نشاطها الاقتصادى.
لست متشائم الطبع بل أسعى عادة للبحث عن مساحات الأمل والتوافق والمسارات الممكنة. ولكن التفاؤل شىء وتجاهل حقيقة ما يجرى حولنا شىء آخر. وعلى كل حكومة أن تستعد لعام قد يكون عصيبا كما تستعد ادارة الشركة الواعية حينما ترى نذر التباطؤ الاقتصادى أو يستعد المسئول عن بيته وأسرته (أو المسئولة وهن كثيرات) حينما يدرك أن أمامه أياما محملة بالغموض والقلق. ومصر تتأثر بالتأكيد بما يدور حولها وبالعالم الأوسع. ولكن هذا لا يعنى أن اختياراتنا منعدمة أو أن علينا انتظار ما تمليه الظروف الدولية والإقليمية، بل أمامنا مساحات واختيارات مستقلة وتواجهنا تحديات مختلفة يجب التعامل معها من منظور الاستعداد لما قد يأتى به عام مضطرب.
أمامنا تحدٍ اقتصادى يتمثل فى ضرورة استكمال برنامج الاصلاح الهيكلى المتفق عليه مع المؤسسات الدولية لأن تعثره الآن يضيع تضحيات الفترة الماضية هباء ويهدد المكاسب المتحققة على مستوى الاقتصاد الكلى. ولكن فى نفس الوقت فإن مجرد استكمال تطبيقه ليس كافيا بل يجب أن يصاحبه مراجعة جدية لآثاره الاجتماعية القاسية وغير الضرورية، ولسياسات الاستثمار والتشغيل والتحفيز للقطاع الخاص، وتقييم واعادة النظر فى اتساع دور الدولة الاقتصادى بجناحيها المدنى والعسكرى، وحساب واقعى وشفاف للتكلفة والعائد من المشروعات القومية الكبرى.
وأمامنا تحدٍ اجتماعى لا يستهان به. فبينما نجحت سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية التى نفذتها وزارة التضامن الاجتماعى وعلى رأسها برامج الدعم النقدى المشروط كما يبشر برنامج حماية ذوى الإعاقة بنجاح مماثل لما وراءه من استعداد جيد وتشريع مدروس، فإن الارتفاع المستمر للاسعار وان كان بمعدل تضخم أقل من العام الماضى واستمرار تدهور الخدمات العامة وعدم توافر فرص عمل مستدامة خارج قطاع التشييد الموسمى بطبعه، يهدد بزيادة الفقر واستمرار تأكل القوى الشرائية وتراجع مستويات المعيشة. ولهذا فإن هناك حاجة ماسة لاستكمال برامج وزارة التضامن الاجتماعى بسياسة اجتماعية حكومية اكثر شمولا وأفضل تنسيقا بين الوزارات المختلفة، وعلى رأسها فى تقديرى الخاص (١) ضرورة إنجاح برنامج التأمين الصحى الشامل الذى تبدأ وزارة المالية فى تحصيل رسومه هذا العام بالفعل فلا يمكن تعثره أو تأجيله بعد ذلك، و(٢) وضع برنامج اصلاح التعليم أو على الاقل جزء منه موضع التطبيق لان كثرة الحديث عنه دون مخرجات ملموسة بدأ يثير التوجس لدى الرأى العام من أن يقتصر على تصورات ودراسات طموحة لا تؤدى لنتائج محددة، و(٣) اعادة النظر فى تسعير المواصلات العامة بكل أنواعها لان دعم النقل العام ليس مطلبا شاذا ولا يتعارض مع الاصلاح الاقتصادى بل الطبيعى والمنطقى أن يقابل رفع الدعم عن الوقود المستخدم فى النقل الخاص زيادة فى دعم النقل العام، و(٤) احياء مشروع الوجبة المدرسية باعتباره برنامجا شاملا لا ينتهى بتوزيع شطائر على التلاميذ بل مشروع قومى قادر على احداث نقلة كاملة فى تغذية الأطفال، وفِى التعليم والقدرة على التحصيل، وفِى التصنيع الغذائى، وفِى الاستثمار والتشغيل.
وأمامنا تحدٍ سياسى يتمثل فى ضرورة فتح المجال العام وإطلاق حريات التعبير والإعلام والتنظيم ليس فقط لانها حقوق دستورية مقررة بنصوص قطعية وإنما ايضا لان التعبير والتنظيم السياسى العلنى هو الوسيلة الأفضل للتعامل مع الاحتقان المتزايد فى المجتمع بسبب الغلاء والبطالة والاحباط لدى الشباب. ولكن للأسف أنه فيما عدا التعديل المرتقب فى قانون الجمعيات الأهلية فإن التوجه العام للدولة لا يعبر عن نية التعامل بحكمة ومرونة مع هذا الاحتقان السياسى الضار باستقرار الوطن.
وأمامنا تحدٍ أمنى لا مجال لإنكاره ونحن نبدأ عامنا الجديد باعتداء ارهابى فى أكثر المناطق السياحية شهرة وصيتا فى العالم. ومع كل التقدير والاحترام لتضحيات رجال الأمن والقوات المسلحة المتصدرين الصفوف الأولى فى الحرب ضد الإرهاب، فإن الواضح من الاعتداء الأخير أن هناك حاجة لسياسة أمنية أكثر شمولا، تتعامل وترتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبمستويات التعليم والثقافة، وبضرورة الحد من الاحتقان السياسى الذى أشرت إليه.
أمام مصر والوطن العربى والعالم عام يبدو منذرا بتوترات إقليمية ومخاوف اقتصادية كبيرة، ولا نملك إلا ان نكون جزءا منها ونتأثر بها ولو بقدر. ولكن بيدنا أيضا أن نبادر ونعيد النظر بجدية وهدوء، بعيدا عن حوار التخوين والتكفير والتشبث بالرأى، فيما يمكن عمله للاستعداد والتحوط لما هو آت.
مع تمنياتى للجميع بعام آمن وهادئ وبأعياد سعيدة.
قلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع