توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التراث العمرانى.. ليس قضية معمارية فقط

  مصر اليوم -

التراث العمرانى ليس قضية معمارية فقط

بقلم - زياد بهاء الدين

خلال الشهور الماضية تحولت قضية الحفاظ على التراث الحضارى والمعمارى للمدن المصرية من موضوع يشغل المتخصصين والأهالى المتحمسين إلى قضية رأى عام يتابعها ويتفاعل معها جمهور أوسع.

سوء تعامل الحكومة مع هذا الموضوع وتجاهل الاحتجاج المتصاعد من هدم المبانى التاريخية وإزالة الأشجار والحدائق والعوامات والمعالم الأخرى جعل الموضوع يكتسب زخما واهتماما من الرأى العام خاصة بعدما طال أضرحة ومقابر لها فى وجدان الناس مكانة دينية وروحية لا تقل قطعا عن القيمة الحضارية والمعمارية.

وهكذا تابع الناس - مثلا - أخبار استقالة أحد أعضاء اللجنة الرسمية المشكلة لدراسة هذا الملف ثم عدوله عنها، كما يتابعون الأحداث السياسية الساخنة والأخبار الفنية والرياضية. كذلك صارت الصور المتداولة والتقارير والدراسات عن المواقع التراثية المهددة بالإزالة - ما كان منها صحيحا وما كان إشاعة - محل اهتمام واستياء يومى.

هذا تحول هام، وعلى الحكومة أن تعى حجمه ودلالته كى تتصرف معه بجدية أكبر وبحكمة بدلا من تجاهله أو التعامل معه باستخفاف أو بمجرد المضى فى تنفيذ عمليات الإزالة دون اكتراث وبمنطق تثبيت الأوضاع حتى لا تكون هناك فرصة لإعادة النظر.

اتساع الاهتمام بحماية التراث المعمارى وراءه أسباب ودوافع أكبر من الإبقاء على مبان وحدائق قديمة لأنه صار رمزا لقلق أكثر عمقا فى المجتمع:

على رأس هذه الأسباب غياب الشفافية فى المعلومات. فلا الناس تعلم ما الذى سيجرى إزالته، ولا السبب وراءه، ولا ما يجرى التخطيط لبنائه، ولا الجدوى منه، ولا البدائل الممكن النظر فيها للحفاظ على المعالم التراثية التى تقف فى طريقه أو تحتم الإزالة.

ويرتبط بذلك عدم وضوح ما إذا كانت هذه الإزالات تمهد لتنفيذ مرافق وخدمات عامة، أم أنها لإفساح المساحات المطلوبة لمشروعات تجارية كالمقاهى والمطاعم وإتاحة الأراضى للأنشطة العقارية الخاصة، مما لا ينطبق عليه حتى وصف المصلحة العامة.

من جهة أخرى فقد عبرت حملات الحفاظ على التراث التاريخى والحضارى عن إشكالية أخرى فى المجتمع، وهى غياب القنوات المشروعة التى يمكن للناس أن يعبروا من خلالها عن اعتراضهم على السياسات المؤثرة على حياتهم بما فى ذلك ملامح المدن المصرية. قليل من النواب البرلمانيين وقفوا مع مطالب سكان دوائرهم وبعضهم حقق نتائج إيجابية، ولهم كل الشكر والتقدير.

ولكن فى غالب الأحوال فلا الشكوى للحى، ولا الحكومة، ولا للنواب البرلمانيين، ولكن فى غالب الأحوال فلا الشكوى للحى، ولا الحكومة، ولا للنواب البرلمانيين، ولا الإعلام جاءت بنتيجة. فقط حينما اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعى وصدرت بيانات احتجاجية وجرى جمع توقيعات عليها بدا أن أصوات الناس وصلت لسمع الحكومة.. ومازلنا فى انتظار ما يسفر عنه كل هذا الجهد.

وأخيرا فإن الحملات الشعبية الساعية للحفاظ على تراث المدن المصرية تعبر عن قلق فى المجتمع المصرى من النموذج التنموى الذى نتبعه. والسؤال الذى يتردد على كل لسان هو لمَ نستهتر على هذا النحو بمعالم تراثية معمارية وحضارية تكونت على مدى آلاف السنين وصارت عنوانا ورمزا لمصر وعراقتها.

وفى المقابل نجتهد لبناء مدن وتجمعات ومظاهر حداثة اقتباسا واقتداء بنموذج تنموى قد يكون ناجحا فى بلدان أخرى ولكنه لا يناسب وضعنا ولا مواردنا ولا تاريخنا ولا حجم التراث المعمارى والحضارى الموجود بالفعل دون حاجة لاستيراده من الخارج.

أرجو أن تدرك الحكومة أن الاستياء الشعبى من الاعتداء على التراث الحضرى المصرى ظاهرة لا يجوز الاستهانة بها أو تجاهلها، بل تستحق الاهتمام والتفاعل والشفافية والإنصات لما يريده الناس وما يقترحه الخبراء لأنها صارت - ببساطة - قضية سياسية،

مع كل الاحترام والتقدير لمن يسعون للدفاع عن هوية مصر الثقافية والحضارية والتاريخية فى كل المواقع وفى ظل ظروف صعبة وبأدوات محدودة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التراث العمرانى ليس قضية معمارية فقط التراث العمرانى ليس قضية معمارية فقط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon