بقلم: زياد بهاء الدين
جددت مشاهد الانتفاضة الشعبية فى الجزائر، ومن قبلها مظاهرات السودان، ذكريات الربيع العربى فى أيامه الأولى، حينما بدا أن المنطقة على شفا تغيير كبير يحقق لشعوبها حلم العدل والحريّة والكرامة.
ولهذا فليس غريبا أن كثيرا من متابعى المشهد الجزائرى، من الوطن العربى ومن خارجه، يرصدون ما يجرى بقدر كبير من الحذر بل والتشاؤم خوفا من أن تؤدى نفس المقدمات إلى ذات النتائج، فينتهى الحال الجزائرى إلى ما آلت اليه الأوضاع فى بلدان الربيع العربى من فوضى وعنف وانتكاسة فى الحقوق والحريات وصولا فى بعض البلدان الشقيقة إلى حروب أهلية وتفكك للمؤسسات.
لست خبيرا فى الشئون الداخلية الجزائرية كى أشرع فى عقد مقارنات دقيقة بين الظرف الراهن وبين ظروف البلدان التى شهدت صعود الربيع العربى ثم انحساره. ولكن بقدر ما ينتابنى نفس القلق، فإن الواضح فى ذهنى أن نجاح التجربة الجزائرية فى التحول الديمقراطى سوف يكون فى صالح الشعوب العربية بأسرها لأنه كما صارت منطقتنا فى السنوات الأخيرة عنوانا للفوضى والعنف والارهاب والهجرة، فإنها بحاجة لنموذج جديد يعيد الأمل فى امكان تحقيق التحول المنشود.
وفى صالح التجربة الجزائرية عوامل عديدة ترجح هذا الامل، ولكن أهمها على الإطلاق القدرة على الاستفادة من التجارب العربية السابقة واستخلاص الدروس وتجنب تكرار ذات الأخطاء، وهذه ميزة كبيرة للغاية لو أُحسن استخدامها.
على رأس هذه الدروس أن التغيير، لكى يكون إيجابيا ومستمرا، يجب أن يكون تدريجيا، توافقيا، ومعتمدا على التفاوض والتنازل من كل الاطراف. أما الاعتقاد بإمكان تحقيق كل المطالَب بضربة قاضية واحدة، تغيير النظام وتحقيق الديمقراطية والقضاء على الفساد والقصاص من الحكم السابق وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، فليس ممكنا ولن يؤدى إلا إلى انتكاسة جديدة.
هذا التغيير التدريجى والتوافقى يحتاج لاتفاق سريع على قيادة رشيدة للحراك الشعبى الطامح فى تغييرات فورية وحاسمة من أجل إقناعه وتوجيهه نحو ضرورة تحقيق مكاسب واقعية وتدريجية ولو بدت متواضعة، وتجنب الوقوع تحت ضغط الأصوات الأكثر ارتفاعا والأكثر تطرفا فى مطالبها.
كذلك يلزم أن يتوافر لدى المطالبين بالتغيير الاستعداد للدخول فى مسار تفاوضى شاق وطويل مع مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وعلى رأسها الجيش الجزائرى، من أجل وضع خارطة طريق للتحول الديمقراطى التدريجى، لأن أى مسار لا يحظى بقبول ومباركة ما نسميه عندنا بمؤسسات الدولة العميقة لن يكتب له النجاح.
من جهة أخرى فإن الطبيعى أن تسود فى الشارع رغبة فى القضاء على الفساد السابق والقصاص ممن احتكروا السلطة والثروة لعقود طويلة. ولكن نجاح التغيير المستدام يحتاج ألا تتحول هذه الرغبة المشروعة إلى طاقة مدمرة، تتجاهل القانون والعدالة، وتهدر حقوق من كانوا جزءا من النظام القديم دون الاستفادة من فساده، وتخلق أعداء للتغيير ممن قد يكونوا مستعدين للانحياز للتغيير الإيجابى لو أتيحت لهم الفرصة.
ويلزم كذلك أن يتوافر لدى أنصار التغيير حرص على مصالح الناس اليومية وعلى استمرار عجلة النشاط الاقتصادى والخدمى مهما بدا هذا الحديث غريبا فى لحظات التدفق الثورى. فلا شىء يكسب الثورة أعداء أكثر من تجاهل السياسيين لاحتياجات الناس اليومية أو الاستخفاف بها أو الاعتقاد بإمكان إرجاؤها لحين نجاح الثورة فى تحقيق المكاسب السياسية.
وأخيرا فاتمنى أن تستفيد التجربة الجزائرية من تجاربنا السابقة التى تصور فيها كل طرف توافرت له أدوات السلطة أن بامكانه إقصاء الاطراف الأخرى وتحقيق كل مطالبه، فالباب يجب أن يظل مفتوحا للشراكة والتعاون بين كل من لا يمارس عنفا أو فسادا أو ارهابا أو تمييزا. أما الاختلاف فى الاّراء والتعدد فى الرؤى السياسية والاجتماعية والتنافس بينها فخير للجميع.
أرجو أن يتقبل أشقاؤنا الجزائريون نصائح مواطن مصرى يتمنى كل الخير لهذا البلد القريب من قلوبنا ويأمل فى نجاح انتفاضتهم ليس فقط فى تغيير الحاكم ولكن فى اصلاح مسار الحكم وفِى تقديم نموذج للتغيير السلمى فى المنطقة العربية.
•••
لا يكتمل هذا الحديث إلا بذكر فقيد مصر والوطن العربى، الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الفقيه القانونى والمفكر الإنسانى الاسلامى، وأحد الساعين دوما لبناء جسور التفاهم والتوافق، مع خالص تمنياتى له بالرحمة ولأسرته بالصبر.