بقلم : زياد بهاء الدين
ما إن انتشر خبر الاعتداء الإرهابى على زائرى دير الأنبا صموئيل الجمعة الماضية حتى انطلقت الاتهامات فى كل اتجاه: اتهام الأمن بالتقاعس، والأزهر لعدم مجابهة فكر التمييز والكراهية، والحكومة بسبب الغلاء والبطالة، والدولة لتخاذلها عن تطبيق القانون.
الغضب مفهوم وضرورى لأن الفاجعة كبيرة. ولكن اختلاط الحابل بالنابل فى توجيه اللوم ليس مفيدا، بل يضر لأنه يجعلنا نخرج من هذه المأساة بكثير من الإدانة والكلام الحماسى والتنفيس عن الغضب ولكن دون نتيجة أو حتى اتفاق على حقيقة ما جرى وكيفية التصدى له.
هناك تداخل بين خطرين داهمين يهددان الوطن ويلزم التفرقة بينهما: الاٍرهاب والطائفية.
الإرهاب يستهدف فى الأساس أمن البلد واستقراره ونموه الاقتصادى. ولتحقيق غاياته فإنه يختار من وقت لآخر توجيه ضرباته نحو المسيحيين المصريين إما للايحاء بأن جرائمه لها مبرر دينى وشرعى بين أنصاره من ذوى التفكير المريض، وإما سعيا لشق الصف وإثارة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وإما لمجرد الهوس والكراهية تجاه كل من يعتقد أنهم مختلفون. ولكن فى كل الأحوال يظل الهدف النهائى هو تهديد استقرار البلد، وعرقلة اقتصاده، والضغط على الدولة لتحقيق مكاسب سياسية داخليا وخارجيا.
أما الطائفية فظاهرة اجتماعية وثقافية أكثر تعقيدا وتغلغلا فى المجتمع، تتمثل فى جميع ممارسات التمييز القبيحة وفى استمرار الفجوة بين عنصرى الأمة والانحياز الكامن فى العديد من مؤسسات الدولة. ولهذا فإن ممارسات الطائفية تضيق وتتسع لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بحالة التعليم والثقافة العامة السائدة، وبعضها بالوضع الاقتصادى والبطالة والغلاء، وفى كل الأحوال يغذيها تقاعس الدولة عن فرض القانون بحزم وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة بشكل حاسم.
ومع خطورة الأمرين ــ الاٍرهاب والطائفية ــ فإن التفرقة بينهما ضرورية لأن لكل منهما أسبابه وبالتالى وسائل التصدى له والتعامل مع من يرتكبونه أو يحرضون عليه.
تجديد الفكر الدينى، وتنقيح المناهج، وتحسين مستوى التعليم، كلها أهداف مهمة ومؤثرة بشكل مباشر فى الحد من الطائفية والعنصرية فى المجتمع. ولكن لا أتصور أن لها علاقة مباشرة بالجرائم الإرهابية حتى ولو كان المستهدفون منها عائلات مسيحية آمنة فى طريقها لزيارة أحد الأديرة فى الصعيد، لأن مرتكبى هذه الجرائم ينتمون لتنظيمات إرهابية دولية واقليمية مدعومة من الخارج ومعتمدة على تمويل وتسليح ومعلومات تتجاوز الإمكانات المحلية. ولذلك فمن غير الواقعى افتراض أن تغيير المناهج الدراسية أو تجديد الخطاب الدينى سوف يؤثران فى سلوكهم ووحشيتهم أو يَحُدَّان من التدخل الأجنبى لدعمهم وتمويلهم. التصدى لهذا النوع من الاٍرهاب لابد أن يكون أساسا بالأدوات الأمنية والاستخباراتية كما أن محاسبة المقصرين فيها يكون أيضا من ذات المنظور الأمنى.
أما الطائفية فإن مصدرها الانقسام والكراهية والجهل داخل المجتمع، يغذيها سوء التعليم وغياب الحريات ويشعل نيرانها سكوت الدولة عن مواجهة خطاب التمييز والتفرقة. هذا المناخ الذى يجعل شبابا مصريين يتطرفون ويعتقدون أن صحيح الدين يتمثل فى منع جيرانهم المسيحيين من إقامة شعائرهم الدينية بحرية كاملة، أو رفض إنشاء الكنائس، أو إقامة الحواجز بين أبناء الديانتين، هو الذى يلزم التصدى له بالتعليم والتجديد والتنمية الاقتصادية ورفض الممارسات العرفية التى تكرس التمييز.
من جهة أخرى فإن التفرقة بين الخطرين ــ الاٍرهاب والطائفية ــ لها عواقب مهمة على ما يمكن للمجتمع أن يساهم به فى التصدى لكل منهما وما ينبغى أن تفسح الدولة المجال له. دور مؤسسات الدولة المدنية فى مواجهة الاٍرهاب الوافد أو المدعوم من الخارج بالضرورة محدود لأن هذه معركة عسكرية فى المقام الأول، حتى وإن كانت لها جوانب مجتمعية. أما التصدى للطائفية، فله أيضا جانب أمنى يتمثل فى إنفاذ القانون وتطبيق الأحكام ومنع الاتفاقات العرفية المخلة بمبدأ المواطنة. ولكن الساحة الأكبر لمواجهتها هى المجتمع ذاته، هى المدارس والجامعات، وهى الإعلام والتواصل الاجتماعى، وهى الجمعيات الأهلية والأندية الرياضية والمشروعات الصغيرة والأنشطة الخيرية، وهى ساحات المحاكم. ولذلك فعلى الدولة أن تفسح الطريق وتطلق الحرية لقوى المجتمع كى تساهم فى دحر الطائفية ونشر ثقافة بديلة تعلى من قيم الحرية والمساواة والعلم.
الإرهاب والطائفية خطران يهددان مستقبل الوطن واستقراره، ولكنهما مختلفان والتعامل معهما لابد أن يكون بوسائل وأدوات أيضا مختلفة. مقاومة الاٍرهاب تكون بالأمن والمعلومات والتعاون الدولى، بينما محاربة الطائفية تكون بالتنمية الاقتصادية المستدامة وبرفع مستوى التعليم والثقافة وبفرض القانون وبتشجيع مناخ الحرية فى المجتمع.
***
مع خالص العزاء لأسر شهداء المنيا والتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين.
نقلا عن الشروق القاهرية