توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على من يقع اللوم؟

  مصر اليوم -

على من يقع اللوم

بقلم : زياد بهاء الدين

ما إن انتشر خبر الاعتداء الإرهابى على زائرى دير الأنبا صموئيل الجمعة الماضية حتى انطلقت الاتهامات فى كل اتجاه: اتهام الأمن بالتقاعس، والأزهر لعدم مجابهة فكر التمييز والكراهية، والحكومة بسبب الغلاء والبطالة، والدولة لتخاذلها عن تطبيق القانون.

الغضب مفهوم وضرورى لأن الفاجعة كبيرة. ولكن اختلاط الحابل بالنابل فى توجيه اللوم ليس مفيدا، بل يضر لأنه يجعلنا نخرج من هذه المأساة بكثير من الإدانة والكلام الحماسى والتنفيس عن الغضب ولكن دون نتيجة أو حتى اتفاق على حقيقة ما جرى وكيفية التصدى له.

هناك تداخل بين خطرين داهمين يهددان الوطن ويلزم التفرقة بينهما: الاٍرهاب والطائفية. 
الإرهاب يستهدف فى الأساس أمن البلد واستقراره ونموه الاقتصادى. ولتحقيق غاياته فإنه يختار من وقت لآخر توجيه ضرباته نحو المسيحيين المصريين إما للايحاء بأن جرائمه لها مبرر دينى وشرعى بين أنصاره من ذوى التفكير المريض، وإما سعيا لشق الصف وإثارة الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وإما لمجرد الهوس والكراهية تجاه كل من يعتقد أنهم مختلفون. ولكن فى كل الأحوال يظل الهدف النهائى هو تهديد استقرار البلد، وعرقلة اقتصاده، والضغط على الدولة لتحقيق مكاسب سياسية داخليا وخارجيا.

أما الطائفية فظاهرة اجتماعية وثقافية أكثر تعقيدا وتغلغلا فى المجتمع، تتمثل فى جميع ممارسات التمييز القبيحة وفى استمرار الفجوة بين عنصرى الأمة والانحياز الكامن فى العديد من مؤسسات الدولة. ولهذا فإن ممارسات الطائفية تضيق وتتسع لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بحالة التعليم والثقافة العامة السائدة، وبعضها بالوضع الاقتصادى والبطالة والغلاء، وفى كل الأحوال يغذيها تقاعس الدولة عن فرض القانون بحزم وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة بشكل حاسم.

ومع خطورة الأمرين ــ الاٍرهاب والطائفية ــ فإن التفرقة بينهما ضرورية لأن لكل منهما أسبابه وبالتالى وسائل التصدى له والتعامل مع من يرتكبونه أو يحرضون عليه.

تجديد الفكر الدينى، وتنقيح المناهج، وتحسين مستوى التعليم، كلها أهداف مهمة ومؤثرة بشكل مباشر فى الحد من الطائفية والعنصرية فى المجتمع. ولكن لا أتصور أن لها علاقة مباشرة بالجرائم الإرهابية حتى ولو كان المستهدفون منها عائلات مسيحية آمنة فى طريقها لزيارة أحد الأديرة فى الصعيد، لأن مرتكبى هذه الجرائم ينتمون لتنظيمات إرهابية دولية واقليمية مدعومة من الخارج ومعتمدة على تمويل وتسليح ومعلومات تتجاوز الإمكانات المحلية. ولذلك فمن غير الواقعى افتراض أن تغيير المناهج الدراسية أو تجديد الخطاب الدينى سوف يؤثران فى سلوكهم ووحشيتهم أو يَحُدَّان من التدخل الأجنبى لدعمهم وتمويلهم. التصدى لهذا النوع من الاٍرهاب لابد أن يكون أساسا بالأدوات الأمنية والاستخباراتية كما أن محاسبة المقصرين فيها يكون أيضا من ذات المنظور الأمنى.

أما الطائفية فإن مصدرها الانقسام والكراهية والجهل داخل المجتمع، يغذيها سوء التعليم وغياب الحريات ويشعل نيرانها سكوت الدولة عن مواجهة خطاب التمييز والتفرقة. هذا المناخ الذى يجعل شبابا مصريين يتطرفون ويعتقدون أن صحيح الدين يتمثل فى منع جيرانهم المسيحيين من إقامة شعائرهم الدينية بحرية كاملة، أو رفض إنشاء الكنائس، أو إقامة الحواجز بين أبناء الديانتين، هو الذى يلزم التصدى له بالتعليم والتجديد والتنمية الاقتصادية ورفض الممارسات العرفية التى تكرس التمييز.

من جهة أخرى فإن التفرقة بين الخطرين ــ الاٍرهاب والطائفية ــ لها عواقب مهمة على ما يمكن للمجتمع أن يساهم به فى التصدى لكل منهما وما ينبغى أن تفسح الدولة المجال له. دور مؤسسات الدولة المدنية فى مواجهة الاٍرهاب الوافد أو المدعوم من الخارج بالضرورة محدود لأن هذه معركة عسكرية فى المقام الأول، حتى وإن كانت لها جوانب مجتمعية. أما التصدى للطائفية، فله أيضا جانب أمنى يتمثل فى إنفاذ القانون وتطبيق الأحكام ومنع الاتفاقات العرفية المخلة بمبدأ المواطنة. ولكن الساحة الأكبر لمواجهتها هى المجتمع ذاته، هى المدارس والجامعات، وهى الإعلام والتواصل الاجتماعى، وهى الجمعيات الأهلية والأندية الرياضية والمشروعات الصغيرة والأنشطة الخيرية، وهى ساحات المحاكم. ولذلك فعلى الدولة أن تفسح الطريق وتطلق الحرية لقوى المجتمع كى تساهم فى دحر الطائفية ونشر ثقافة بديلة تعلى من قيم الحرية والمساواة والعلم.

الإرهاب والطائفية خطران يهددان مستقبل الوطن واستقراره، ولكنهما مختلفان والتعامل معهما لابد أن يكون بوسائل وأدوات أيضا مختلفة. مقاومة الاٍرهاب تكون بالأمن والمعلومات والتعاون الدولى، بينما محاربة الطائفية تكون بالتنمية الاقتصادية المستدامة وبرفع مستوى التعليم والثقافة وبفرض القانون وبتشجيع مناخ الحرية فى المجتمع.

***
مع خالص العزاء لأسر شهداء المنيا والتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين.

نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على من يقع اللوم على من يقع اللوم



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon