توقيت القاهرة المحلي 20:20:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البطاطس.. وغيرها

  مصر اليوم -

البطاطس وغيرها

بقلم : زياد بهاء الدين

هذا الأسبوع كانت الأزمة فى البطاطس، والأسبوع الماضى الطماطم، وقبلهما الفراخ، وقبل ذلك الخيار والفاصوليا والعدس. لا يكاد يمر أسبوع دون أن يتصدر المشهد نوع من الخضار أو اللحوم أو الأدوية أو الأسمدة، يرتفع السعر شيئا فشيئا ثم يقفز مرة واحدة حتى يصبح شراؤه من علامات الثراء والترف، ومصدر للهم والقلق، بينما كلها سلع أساسية المفروض ألا ينشغل بال الناس بها كثيرا.

فى كل مرة يدور ذات الحوار العقيم: السبب هو جشع التجار، بل تغيير مساحة المحصول، بل مؤامرة لضرب الاستقرار، بل تهريب السلع للخارج، بل الزيادة السكانية. والعلاج أيضا لا يختلف كثيرا: ضجيج إعلامى وطلبات إحاطة برلمانية تعقبها حملات من مفتشى التموين، ثم اقتحام لمخازن التجار وتصوير البضائع المكدسة داخلها، ثم تدخل الدولة بفتح منافذ خاصة لبيع السلع بأسعار مخفضة. وفى هذه المرة دخل أحد الأحزاب على الخط فأعلن عن توفير منافذ لبيع البطاطس بأسعار مخفضة فى مقاره من أجل مواجهة جشع التجار، وفقا للبيان الصادر منه.

مع ذلك تظل الأزمات متكررة، كل واحدة تفاجئ المسئولين وتدهشهم وتستدعى ذات التعليقات والمسكنات، لأننا فى الحقيقة لا نواجه القضية من جذورها ونتجنب مناقشة لب الموضوع: ما هى طبيعة الاقتصاد؟ وما أدوات الدولة فى إدارته؟ وهل الوسيلة المناسبة للحد من الارتفاع غير المبرر فى الأسعار هو السيطرة أم المنافسة؟
الدولة من جهة لا تملك حقيقة أدوات ضبط الأسواق والسيطرة على انفلات الأسعار بالوسائل التقليدية التى كانت فيما مضى تعتمد على التسعير الجبرى وعلى إنشاء المجمعات الاستهلاكية ومنافذ التوزيع فى كل أنحاء الجمهورية وعلى إطلاق حملات التفتيش. فالانتاج ليس فى يد الدولة، والأسواق خرجت عن سيطرتها، والتعاملات ممكنة بوسائل ومن خلال قنوات بعيدة عن الرقابة والرصد. مع ذلك فإن الاعتقاد السائد فى الشارع ولدى الكثير من الإعلاميين والبرلمانيين والمعلقين أن الدولة لا تزال قادرة على التحكم فى الأسعار والضرب بيد من حديد على من تسول له نفسه مخالفة تعليماتها. 

ومن جهة أخرى فإن الدولة ليست مستعدة لترك آليات السوق الحرة تعمل بكفاءة ولا فتح الباب للمنافسة ولدخول أطراف جديدة بما يحد من الاحتكارات القائمة وبالتالى من الارتفاعات غير المبررة فى الأسعار، لأن البيروقراطية والمصالح القائمة تمنع صغار المنتجين والموزعين على الحصول على التراخيص اللازمة وعلى التمويل والتسهيلات والمعلومات التى تتيح لهم منافسة الأوضاع الاحتكارية القائمة خاصة فى مجال توزيع المواد الغذائية. وهذا يجعل الفلاح يبيع المحصول فى الأرض أحيانا بربع ثمن بيعه للمستهلك النهائى لأن سوق التوزيع واقعة تحت سيطرة احتكارات قائمة وبيروقراطية تحميها بالقصد أو دون معرفة بما يجعل دخول منافسين جدد فى مجال الانتاج والتوزيع شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلا. 

هذه الأسئلة والتحديات ليست جديدة، ولا موضوع الارتفاعات المفاجئة وغير المبررة فى أسعار السلع الرئيسية وافد علينا. ولكن موجة الغلاء العاتية التى اجتاحت البلد منذ نهاية عام ٢٠١٦ وفوضى الاسعار التى نتجت عنها تجاوزت ما اعتاد الناس عليه وكشفت اكثر مما مضى عن ضرورة اعادة التفكير بجدية فى دور الدولة وأدواتها فى إدارة الاقتصاد.
بمقدورنا أن نستمر فى لوم التجار على جشعهم، ومباحث ومفتشى التموين على تقاعسهم، والناس على اسرافهم، وكل هذا لن يغير من حقيقة أن الاسواق مضطربة والأسعار منفلتة لأن الاقتصاد ليست له هوية محددة ولا اتجاه واضح، والمواطن هو الضحية.

نقلا عن الشروق

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطاطس وغيرها البطاطس وغيرها



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon