بقلم-زياد بهاء الدين
الغضب الواسع من الزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود فى محله لأن غالبية الشعب لم تعد تتحمل المزيد من الغلاء بعد معاناتها طوال العامين الماضيين من تضخم أتى على مدخراتها وعلى قدرتها الشرائية وعلى شعورها بالأمان. ولكن مع تقديرى لهذه المعاناة، الا أن الغضب لا ينبغى أن يكون محله زيادة أسعار الوقود فى حد ذاتها بل مجمل السياسات الاقتصادية التى صاحبت تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادى منذ الربع الأخير من ٢٠١٦. تحديدا فإن ما أقصده هو اخفاق الحكومة فى حماية المجتمع من التضخم الذى كان متوقعا، وإخفاقها أيضا فى تحريك الاقتصاد الراكد كى يستفيد الناس من النتائج الإيجابية التى كان مفترضا أن تتحقق نتيجة لتطبيق برنامج الاصلاح.
الأركان الثلاثة الرئيسية للبرنامج ــ تحرير سعر الصرف وتخفيض دعم الطاقة وفرض ضريبة القيمة المُضافة ــ كانت ولا تزال فى حد ذاتها سليمة وضرورية لإخراج الاقتصاد المصرى من عثرته. ولهذا فلم أتردد فى تأييدها عند الإعلان عنها وفِى مساندتها كلما ثار الجدل بشأنها رغم الغضب المتصاعد حيالها. ولكن لم يقل أحد بأن برنامج الاصلاح ينحصر فى هذه الإجراءات الثلاثة.
لم يقل أحد بأن تقف الحكومة مكتوفة الايدى أمام موجة الغلاء العاتية التى ضربت المجتمع وتجاوزت ــ باعتراف صندوق النقد الدولى ــ ما كان محسوبا ومتوقعا وفقا للمعطيات الاقتصادية. ولكن ما حدث أن الحكومة عجزت عن تنظيم الاسواق والرقابة عليها ومنع الاستغلال والاحتكار من جانب التجار والمستوردين، ثم تقاعست عن فتح قنوات المنافسة لصغار المنتجين والموزعين كى يمكن للسوق تصحيح بعض هذه التجاوزات. والنتيجة أن الانفلات الذى حدث فى الأسعار وبالذات خلال عام ٢٠١٧ لم يكن متناسبا مع زيادة أسعار الوقود أو مع انخفاض سعر الجنيه بل كان نتيجة غياب سياسة محددة للدولة فى التعامل مع الغلاء المرتقب. الإجراء الوحيد المدروس الذى اتخذته الحكومة كان تطبيق برنامجى «كرامة» و«تكافل» لتوفير دعم نقدى للفقراء عوضا عن الدعم العينى. ولكن ما كان يفترض أن يكون إجراء موجها للتعامل مع احتياجات الأكثر فقرا لم يسعف حينما طالت موجة الغلاء كل طبقات المجتمع المتوسطة والدنيا.
ولم يقل أحد بأن تكتفى الحكومة بالتحسن فى بعض مؤشرات الاقتصاد الكلية وتعتبرها كافية لتحقيق انتعاش اقتصادى وخلق فرص عمل ورفع مستوى معيشة المواطنين دون اتخاذ ما يلزم لتحفيز الاستثمار المحلى قبل الأجنبى وتشجيع القطاع الخاص لسد الفجوة الاستثمارية. ولكن ما حدث أن الحكومة تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لجذب الاستثمار المحلى والأجنبى فى القطاعات المنتجة والقادرة على زيادة الانتاج المحلى وتوفير فرص العمل المستدامة وزيادة التصدير والقيمة المُضافة للمجتمع، وعلى رأسها الصناعة، واكتفت بالاحتفاء بزيادة الاستثمار الأجنبى فى الأوراق المالية الذى يمنح سيولة نقدية مطلوبة ولكن لا يدعم طاقة المجتمع الإنتاجية ولا يُحد من البطالة.
ولم يقل أحد بأن تترك الحكومة الخدمات العامة فى المدن القديمة وفى الارياف وفى المناطق العشوائية تتدهور بأكثر مما كانت متدهورة بسبب توجيه الموارد والاهتمام لتشييد مدن وعواصم جديدة، ولا بأن تطلب الحكومة من الناس التقشف واحتمال الغلاء بينما الدين العام يتزايد بشكل خطير ويهدد مستقبل أبنائنا.
لكل ما سبق فإن السؤال الان هو ما الذى اتخذته الحكومة هذه المرة للاستعداد لموجة الغلاء الثانية ولتوقى آثارها بخلاف نشر قوات مكافحة الشغب فى الشوارع والميادين وعلى أرصفة المحطات؟
الواقع أن الحكومة اعتمدت فى ادارتها للاقتصاد على مبدأ أن سكوت الناس وعدم خروجهم للتظاهر دليل على الرضا وعلى استتباب الأمن والاستقرار. والنَاس فعلا ساكتة ومتحملة للغلاء ولتدهور أحوال معيشتها لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا ولكن ليس من بينها الرضاء. وهذا من حسن الظروف لانه لا احد يرغب فى أن تضطرب احوال البلد أو تتعثر. ولكن هذا لا يعنى الارتكان إلى الوضع الحالى وافتراض أن صبر الناس وقدرتهم على الاحتمال والتأقلم مع الغلاء بلا حدود.
لا أتصور أن تستجيب الدولة لمطالب إلغاء أو ارجاء زيادات أسعار الوقود، ولكن لعلها على الأقل تخبرنا بما تنوى أن تفعله كى تجنب الناس الوقوع تحت مقصلة موجة غلاء ثانية، وكى تخرجنا من هذه الأزمة بمزيد من الانتاج وليس بمزيد من الاستدانة.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع