الواضح أن الدولة جادة بالفعل فى تعديل قانون الجمعيات الذى عطل النشاط الأهلى وأضر بالبلد وأساء لمصر دوليا. وهذا أمر جيد ومشجع. ولكن لكى تسفر هذه الجهود عن انفراج حقيقى فى مجال العمل الأهلى فلابد أن يتحقق أمران: الأول أن يتضمن القانون الجديد مفاهيم واحكام مغايرة موضوعيا لما تضمنه القانون الحالى، والثانى أن يصاحب صدوره نهاية لحالة التربص والعداء السارية فى البلد تجاه المجتمع المدنى.
من حيث المفاهيم الموضوعية التى يجب أن يتضمنها القانون الجديد فإننى أقترح ما يأتى:
١ــ العودة لمبدأ تأسيس الجمعيات الأهلية بالإخطار على نحو ما نص عليه الدستور، وهذا لا يعنى حرمان وزارة التضامن الاجتماعى من حق الاعتراض على التأسيس متى كان مخالفا للقانون، وإنما ضرورة أن يكون اعتراضها مكتوبا ومستندا لسبب معين ومحكوما بمدة زمنية. ويرتبط بذلك ضرورة تحديد المستندات والبيانات المطلوب تقديمها مع طلب التاسيس تحديدا نهائيا منعا للغموض أو إساءة استخدام السلطة التقديرية.
٢ــ السماح للجمعيات والمؤسسات غير الهادفة للربح بمزاولة جميع الأنشطة الأهلية التى تستهدف تنمية المجتمع وخدمة المواطنين وحماية حقوقهم وتشجيعهم على العمل الجماعى، إلا ما كان منها محظورا بشكل حصرى فى القانون.
٣ــ اعتبار أن تأسيس الجمعية تأسيسا قانونيا سليما يكفى لتمكينها من مزاولة كل أوجه نشاطها المرخص به دون الحاجة لموافقات وتصاريح لاحقة فى كل مرة تسعى للقيام بجانب منه.
٤ــ التخفيف من القيود الإجرائية الثقيلة والبيروقراطية المحيطة بكل إجراء أو تعديل تجريه المنظمات الأهلية فى عنوانها أو نشاطها أو مجلس ادارتها أو حتى فى اختيار البنك الذى تتعامل معه لما يسببه ذلك من ضياع للوقت والجهد والمال، يتحمل المجتمع فى النهاية تكلفته بمقدار ما تتعطل قدرة المنظمات الأهلية على مزاولة نشاطها بحرية وسرعة وكفاءة.
٥ــ إطلاق يد الجمعيات فيما يتعلق بتلقى التبرعات من الأشخاص والشركات المصريين حتى يقوم المجتمع المدنى بدوره التنموى دون اعتماد مستمر على المصادر الخارجية. اما فيما يتعلق بالتمويل الأجنبى فيلزم العدول عن النظام الحالى الذى يلزم الجمعيات بتقديم طلب الموافقة على التمويل ثم انتظار أشهر وسنوات دون رد من الأجهزة المعنية، واستبدال ذلك بإخطار وزارة التضامن الاجتماعى بمصدر التمويل والغرض منه والبنك الذى يتلقاه، ومنح الوزارة فترة زمنية محددة للموافقة أو الاعتراض وإلا اعتبر سكوتها بمثابة قبول على نحو ما كان معمولا به من قبل. وفى حالة الاعتراض فيجب أن يكون مكتوبا ومستندا لسبب قانونى.
٦ــ تشجيع المنظمات الإقليمية والدولية على مزاولة أنشطتها التنموية، خاصة وأن بعض تلك المنظمات المعروفة قد تركت البلد فى السنوات الاخيرة أو جمدت نشاطها بسبب القانون الحالى واتجهت بمواردها وخبراتها لبلدان أخرى مجاورة استحوذت على نصيب مصر.
٧ــ العودة لاعتبار وزارة التضامن الاجتماعى الجهة الوحيدة المعنية بشئون المنظمات الأهلية. وهذا لا يحرم الوزارة من اللجوء لمختلف الجهات والاجهزة لمعاونتها فى اداء مهمتها، ولكن يجب أن يكون هذا التعاون شأنا داخلى لا يلزم الجمعيات بالتعامل مع أكثر من سلطة إشرافية واحدة.
٨ــ تطوير نظم المحاسبة المالية للجمعيات والمؤسسات الأهلية وإعداد القوائم المالية والافصاح عنها لان الرقابة الحقيقية والفعالة على منظمات المجتمع المدنى يجب أن تكون من جانب الأعضاء والممولين والمستفيدين باعتبارهم الأكثر حرصا على أدائها.
٩ــ مراجعة باب العقوبات والحد من قائمة الجرائم التى يشملها لأن الأصل فى العمل الأهلى أنه تطوعى وخيرى، وبالتالى يحتاج تشجيعا ومساندة من الدولة وليس اثارة الفزع بكثرة النصوص العقابية وغموض معانيها وعدم توازن العقوبة مع المخالفة.
وأخيرا فإن إصدار قانون جديد ومتوازن لا ينبغى أن يكون نهاية المطاف بل بداية إصلاح أشمل وتصحيح لأوضاع معيبة ترتبت على القانون الحالى وعلى الحالة العدائية التى عبر عنها تجاه النشاط الأهلى. ولعل بداية هذا الاصلاح الشامل تكون إطلاق سراح من جرى حبسهم استنادا لمخالفة احكام القانون الحالى بعدما تبين للدولة أنه كان معيبا من بدايته، وحفظ التحقيقات الجارية مع المتهمين بمخالفته وتبديد السحابة السوداء المحلقة فى سماء النشاط الأهلى.
الغرض من القانون الجديد يجب أن يكون إقامة روابط الثقة والتعاون بين الدولة والمجتمع المدنى من خلال توازن جديد يحفظ للدولة حقها فى الإشراف والرقابة ويمنح العمل الأهلى المساحة والحرية اللتين يحتاجهما لتحقيق اغراضه المطلوبة. وتعديل القانون الحالى فرصة لضبط هذا الميزان المختل.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع