توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية؟

  مصر اليوم -

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية

بقلم : زياد بهاء الدين

 اعترض بعض الأصدقاء والزملاء على مقالى المنشور الأسبوع الماضى بعنوان «العدالة قبل الديمقراطية»، انطلاقا من أن العدالة لن تتحقق فى غياب الديمقراطية، وأن قبول إرجاء الإصلاح السياسى يفتح بابا واسعا للسكوت على استمرار تقييد الحريات وغلق المجال العام. وقد أسعدنى للغاية هذا الحماس ووضوح الرؤية من قراء لم يتأثروا بالمناخ العام المعادى للحريات والديمقراطية فى مصر والعالم، ولا بالخطاب السائد إعلاميا والذى يسعى لترسيخ مفهوم التعارض بين الحرية والشراكة فى الحكم وبين الاستقرار والتنمية الاقتصادية كما لو كان من المسلمات.

والواقع أن ما دعوت اليه الأسبوع الماضى لم يكن إهمال الديمقراطية ولا إرجاء المطالبة بها إلى أن تتحقق العدالة فى المجتمع، بل كانت خاتمة المقال السابق «دعونا إذن لا نهمل الديمقراطية ولا ننسى الحقوق التى كفلها الدستور، ولكن الاولوية فى الوقت الراهن يجب أن تكون لاعلاء راية العدل واحترام القانون». وتقديرى أن هذا الترتيب مطلوب فى الوقت الحالى لأكثر من سبب.

من جهة أولى فإن تحديد أولويات العمل العام يجب أن يتعلق ليس فقط بما هو أصلح نظريا أو أهم من حيث المبدأ، ولكن أيضا بِما يمثل أولوية حقيقية وملحة لدى الجمهور الواسع غير المهتم بالضرورة بالشأن السياسى والمنشغل بالسعى وراء تلبية حاجاته الأساسية فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ولكن حتى فى هذا السياق الذى تتصدر فيه الحالة الاقتصادية مشاغل الناس، فإن قضية العدالة تبرز وتتقدم على غيرها من القضايا العامة لأنها تمس كل منزل وكل فرد وكل أسرة مهما كانت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية أو انتماءاتهم الثقافية والفكرية. لا يوجد من لا يعانى بشكل أو بآخر من تراجع قيمة العدالة فى المجتمع سواء فى مجال الحريات العامة والسياسية، أم فى اقتضاء حقوقه التجارية والاقتصادية، أم فى الحصول على نصيبه من الخدمات العامة، أم فى حماية ممتلكاته الخاصة، أم فى مجرد التنازع المعتاد بين الأفراد فى المجتمع. قضية العدالة مظلة جامعة وقادرة على اعادة الحراك والاهتمام بالشأن العام من مدخل لا خلاف عليه.

ومن جهة ثانية لتقديم قضية العدالة أن وعى المواطنين بحقوقهم بشكل عام، وبأهمية أن تكون القوانين عادلة ومنطقية، والقضاء مستقل، والحكومة وأجهزة الدولة التنفيذية خاضعة كلها لحكم القانون، هو المدخل الأهم والأكثر فاعلية لبناء الوعى السياسى والارتباط بقيم المواطنة والمساواة والحقوق، وهى الأسس التى تنبنى عليها الدولة الديمقراطية التى تحترم الدستور والحريات العامة. العدالة إذن ليست مطلبا فى حد ذاته فقط بل الأساس الذى ينبنى عليه الوعى بالمجتمع وبالشأن العام وبحقوق المواطنين فى كل المجالات.
وأخيرا فإن القضيتين ــ العدالة والديمقراطية ــ ليستا فى الواقع منفصلتين. ولذلك فإن المطالبة بتحقيق العدالة بما يتضمنه ذلك من تنقية القوانين من النصوص التى تخالف الدستور أو تحرم المواطنين من حقوقهم الاساسية فى التعبير والتنظيم والاحتجاج أو تحد من استقلال القضاء أو تسمح بتدخل السلطة التنفيذية فى سير العدالة، هى فى الواقع مطالبة بتحقيق جوهر الديمقراطية والحوكمة بغض النظر عن العنوان الذى يتصدرها.

العدالة هى القضية الأساسية والأهم التى ينبغى الالتفاف حولها فى الوقت الراهن والدعوة اليها والتبصير بأهميتها، ليس باعتبارها بديلا عن باقى القيم الانسانية والسياسية التى ينبغى لوطننا أن يعيش فى ظلها، ولكن لانها المدخل الأفضل لبلوغ هذه القيم ولبناء توافق شعبى نفتقده فى جميع جوانب العمل العام.

علمت بعد كتابة هذا المقال بوفاة المرحوم المناضل الكبير الاستاذ خالد محيى الدين، الذى قضى عمره مدافعا عن حرية الوطن والمواطنين وعن الديمقراطية والعدالة والمساواة للشعب المصرى، فله كل الدعاء بالرحمة ولأسرته وأصدقائه ورفاق دربه خالص العزاء.

 نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon