توقيت القاهرة المحلي 20:50:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية؟

  مصر اليوم -

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية

بقلم : زياد بهاء الدين

 اعترض بعض الأصدقاء والزملاء على مقالى المنشور الأسبوع الماضى بعنوان «العدالة قبل الديمقراطية»، انطلاقا من أن العدالة لن تتحقق فى غياب الديمقراطية، وأن قبول إرجاء الإصلاح السياسى يفتح بابا واسعا للسكوت على استمرار تقييد الحريات وغلق المجال العام. وقد أسعدنى للغاية هذا الحماس ووضوح الرؤية من قراء لم يتأثروا بالمناخ العام المعادى للحريات والديمقراطية فى مصر والعالم، ولا بالخطاب السائد إعلاميا والذى يسعى لترسيخ مفهوم التعارض بين الحرية والشراكة فى الحكم وبين الاستقرار والتنمية الاقتصادية كما لو كان من المسلمات.

والواقع أن ما دعوت اليه الأسبوع الماضى لم يكن إهمال الديمقراطية ولا إرجاء المطالبة بها إلى أن تتحقق العدالة فى المجتمع، بل كانت خاتمة المقال السابق «دعونا إذن لا نهمل الديمقراطية ولا ننسى الحقوق التى كفلها الدستور، ولكن الاولوية فى الوقت الراهن يجب أن تكون لاعلاء راية العدل واحترام القانون». وتقديرى أن هذا الترتيب مطلوب فى الوقت الحالى لأكثر من سبب.

من جهة أولى فإن تحديد أولويات العمل العام يجب أن يتعلق ليس فقط بما هو أصلح نظريا أو أهم من حيث المبدأ، ولكن أيضا بِما يمثل أولوية حقيقية وملحة لدى الجمهور الواسع غير المهتم بالضرورة بالشأن السياسى والمنشغل بالسعى وراء تلبية حاجاته الأساسية فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. ولكن حتى فى هذا السياق الذى تتصدر فيه الحالة الاقتصادية مشاغل الناس، فإن قضية العدالة تبرز وتتقدم على غيرها من القضايا العامة لأنها تمس كل منزل وكل فرد وكل أسرة مهما كانت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية أو انتماءاتهم الثقافية والفكرية. لا يوجد من لا يعانى بشكل أو بآخر من تراجع قيمة العدالة فى المجتمع سواء فى مجال الحريات العامة والسياسية، أم فى اقتضاء حقوقه التجارية والاقتصادية، أم فى الحصول على نصيبه من الخدمات العامة، أم فى حماية ممتلكاته الخاصة، أم فى مجرد التنازع المعتاد بين الأفراد فى المجتمع. قضية العدالة مظلة جامعة وقادرة على اعادة الحراك والاهتمام بالشأن العام من مدخل لا خلاف عليه.

ومن جهة ثانية لتقديم قضية العدالة أن وعى المواطنين بحقوقهم بشكل عام، وبأهمية أن تكون القوانين عادلة ومنطقية، والقضاء مستقل، والحكومة وأجهزة الدولة التنفيذية خاضعة كلها لحكم القانون، هو المدخل الأهم والأكثر فاعلية لبناء الوعى السياسى والارتباط بقيم المواطنة والمساواة والحقوق، وهى الأسس التى تنبنى عليها الدولة الديمقراطية التى تحترم الدستور والحريات العامة. العدالة إذن ليست مطلبا فى حد ذاته فقط بل الأساس الذى ينبنى عليه الوعى بالمجتمع وبالشأن العام وبحقوق المواطنين فى كل المجالات.
وأخيرا فإن القضيتين ــ العدالة والديمقراطية ــ ليستا فى الواقع منفصلتين. ولذلك فإن المطالبة بتحقيق العدالة بما يتضمنه ذلك من تنقية القوانين من النصوص التى تخالف الدستور أو تحرم المواطنين من حقوقهم الاساسية فى التعبير والتنظيم والاحتجاج أو تحد من استقلال القضاء أو تسمح بتدخل السلطة التنفيذية فى سير العدالة، هى فى الواقع مطالبة بتحقيق جوهر الديمقراطية والحوكمة بغض النظر عن العنوان الذى يتصدرها.

العدالة هى القضية الأساسية والأهم التى ينبغى الالتفاف حولها فى الوقت الراهن والدعوة اليها والتبصير بأهميتها، ليس باعتبارها بديلا عن باقى القيم الانسانية والسياسية التى ينبغى لوطننا أن يعيش فى ظلها، ولكن لانها المدخل الأفضل لبلوغ هذه القيم ولبناء توافق شعبى نفتقده فى جميع جوانب العمل العام.

علمت بعد كتابة هذا المقال بوفاة المرحوم المناضل الكبير الاستاذ خالد محيى الدين، الذى قضى عمره مدافعا عن حرية الوطن والمواطنين وعن الديمقراطية والعدالة والمساواة للشعب المصرى، فله كل الدعاء بالرحمة ولأسرته وأصدقائه ورفاق دربه خالص العزاء.

 نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية لمَ يلزم تقديم العدالة على الديمقراطية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:50 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والحريديم في تل أبيب
  مصر اليوم - مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والحريديم في تل أبيب

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 12:07 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الجبلاية تستقر على خصم 6 نقاط من الزمالك

GMT 17:00 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

موعد إجراء قرعة كأس العالم 2018 والقنوات الناقلة

GMT 02:32 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

سلطنة عُمان تسجل 1739 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:10 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

رشا مهدي تعلق على انسحاب الزمالك من مباراة القمة

GMT 19:06 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

الجونة يضم حارس الأهلي عمر رضوان رسميًا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon