توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف تحقق استراتيجية مكافحة الفساد أهدافها؟

  مصر اليوم -

كيف تحقق استراتيجية مكافحة الفساد أهدافها

زياد بهاء الدين

تابعت ما نقلته وسائل الإعلام الأسبوع الماضى عن إطلاق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وأسعدنى اهتمام الدولة بهذا الموضوع المهم وحرصها على أن تدفع به إلى مقدمة أولوياتها. ولكن حينما تأملت فى التفاصيل والتصريحات المنشورة، ساورنى القلق من أن يكون وراء الاستراتيجية حماس شديد ونوايا صادقة، ولكن دون أن تصاحبها رؤية واقعية لكيفية تحقيق ذلك ولا استعداد للتعامل مع الأسباب الحقيقية للفساد.

أول ما يثير القلق هو أن الاستراتيجية المعلن عنها تعيد استحواذ الدولة وأجهزتها على ملف مكافحة الفساد وتستبعد المجتمع المدنى والأكاديمى والإعلامى من المشاركة برغم المحاولات التى جرت فى السنوات الأخيرة لتوسيع نطاق هذه المشاركة (والتى بدأها بالمناسبة د. أحمد درويش من عشر سنوات وهو وزير للتنمية الإدارية ولكن تجاهلتها الدولة). فإطلاق الاستراتيجية الجديدة جرى بمناسبة احتفال هيئة الرقابة الإدارية بمرور خمسين عاما على تأسيسها، واللجنة التنسيقية لمكافحة الإرهاب تكاد تكون مشكلة بالكامل من موظفين بالدولة، والاستراتيجية برنامج عمل حكومى ولا تتضمن مشاركة غير رسمية. والنتيجة هى قيام الأجهزة الرسمية بتأميم الملف مرة أخرى باعتباره لا يخص سواها. وهذا أسلوب خاطئ لأن مكافحة الفساد يجب أن تكون هدفا قوميا يشترك فيه المجتمع بكل تكويناته ومؤسساته بدلا من أن يظل حكرا على أجهزة الدولة وحدها، وهو ما تؤكده اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتى تعتبر المرجع الدولى فى هذا الموضوع.

من جهة أخرى فإن إطلاق استراتيجية وطنية كان يجب أن تسبقه الإجابة على عدة أسئلة مهمة لا تزال تشغل المجتمع المصرى بعدما يقرب من أربع سنوات على الثورة: ما الذى جعل الفساد يتفاقم ويستشرى إلى هذا الحد؟ ولماذا عجزت الأجهزة الرقابية عن التصدى له من قبل، هل بسبب ضعف الإمكانات، أم قصور التشريع، أم غياب الإرادة السياسية؟ ولماذا لم تسفر تحقيقات ومحاكمات السنوات الماضية إلا عن ملاحقة آلاف المسئولين والموظفين الحكوميين دون جدوى وتعريضهم للحبس والإهانة والمنع من السفر والتصرف فى الأموال دون دلائل كافية، بينما بعض من ارتكبوا فسادا حقيقيا لم تقترب منهم يد العدالة حتى الآن؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها بحاجة إلى إجابات واضحة قبل الشروع فى تطبيق استراتيجية وطنية جديدة حتى يستريح الرأى العام لمعرفة الحقيقة ويطمئن إلى أن هذه الاستراتيجية لن تكرر الأخطاء ذاتها أو تتعرض للضغوط ذاتها التى وأدت جهودا سابقة. الحديث عن مكافحة الفساد فى المستقبل دون فهم ما حدث فى الماضى لن يؤدى إلى نتائج أفضل.

كذلك فإن المنشور بشأن هذه الاستراتيجية الوطنية يتناول إجراءات معتادة سبق الحديث عنها كثيرا: تطوير الخدمات الحكومية، والحد من التعامل مع الموظفين، ووقف التعدى على الأراضى الزراعية، والمزيد من الشفافية، وتشديد العقوبات. هذه كلها أشياء بديهية ولا تمثل خروجا عن الأساليب القديمة ولا تغييرا جذريا يتناسب مع إطلاق استراتيجية جديدة. إذا كانت هناك نية فى تحقيق نتائج مختلفة فلابد من البدء بمراجعة الإطار المؤسسى لمكافحة الفساد. فى مصر ما لا يقل عن سبعة أجهزة رسمية كلها معنية بجانب أو أكثر من الموضوع: هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، ونيابة الأموال العامة، ونيابة الشئون المالية، وجهاز الكسب غير المشروع، ووحدة مكافحة غسل الأموال، واللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد. وبجانب هذه الجهات هناك أيضا أجهزة حماية أراضى الدولة وحماية المنافسة والمستهلك والأسعار والمبانى والصحة والأسواق المالية وغيرها. هذه البنية المعقدة بحاجة لإعادة نظر وتقييم وتحديد لدور واختصاص كل منها ومدى تحقيقه للأهداف المنوطة به حتى لا يجد الموظف أو المسئول الحكومى نفسه محاطا بشبكة هائلة من الجهات الرقابية كل منها يتدخل فى كل شىء ولا نتيجة تتحقق فى النهاية سوى شل الأجهزة الرسمية وارتعاش الأيدى بينما الفساد الحقيقى والكبير مستمر لأنه ــ مثل الميكروب الذى يتحور أمام الأدوية الجديدة ــ يجد وسيلة للتأقلم وللإفلات من ثنايا هذا النظام المعقد.

وأخيرا يلزم تحديد ما الذى نريده بالضبط. هل هو الاستمرار فى متابعة آلاف الملفات المفتوحة دون جدوى أم طى صفحة الماضى بالنسبة للتجاوزات البسيطة والاستمرار فى متابعة الجرائم الكبرى فقط؟ هل هو مكافحة كل أنواع الفساد مرة واحدة أم البدء بالفساد الكبير ثم الانتقال تدريجيا للفساد الأصغر؟ هل هو مجرد ملاحقة الماضى أم وضع النظم والآليات الكفيلة بالوقاية فى المستقبل؟

وفى كل الأحوال فإن الموضوع لا يخص الدولة وحدها ولا الأجهزة الرقابية، بل يخص المجتمع بأسره ويجب مناقشته وتحديد أولوياته بالتشاور والمشاركة لكى يكتسب مصداقية لدى الناس ويعطى الأمل فى أن تتحقق فى المستقبل نتائج مختلفة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تحقق استراتيجية مكافحة الفساد أهدافها كيف تحقق استراتيجية مكافحة الفساد أهدافها



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon