دخل الهكسوس مصر واستوطنوا في الدلتا، وقد عرفوا في المصادر التاريخية باسم الهكسوس تحريفًا من الاسم المصرى القديم «حقاو خاسوت» أي حكام البلاد الأجنبية. ويبدو أنهم لم يكونوا شعباً واحداً وإنما عدة شعوب أو قبائل مختلفة، وكان المصرى القديم يطلق عليهم اسم «عامو» بمعنى البدو الآسيويين وأحياناً كان المصرى القديم يزيد في وصفهم بقوله «عامو حر يوشع» بمعنى البدو الذين يعيشون فوق الرمال. ولم يعرف في التاريخ المصرى القديم قوماً كرهه المصريون القدماء، مثل الهكسوس الذين اعتبرهم أجدادنا العظام سبباً في خراب البلاد وانقسامها واندلاع الحروب بها وخراب معابدها ومقابر الأسلاف التي نهبت. لذلك نعتهم المصريون بالطاعون وبالوباء.
لقد ظن البعض أن الهكسوس سلالة من جذور أوروبية استوطنت بلاد النهرين، أو أنهم قبائل سامية قدمت من شبه الجزيرة العربية. وقد حاول المؤرخ اليهودى يوسيفوس تصوير الهكسوس بأنهم أجداد بنى إسرائيل، وقال إنهم (من وجة نظره) قدموا إلى مصر من فلسطين، وأنهم كانوا قبائل مستقرة هناك قبل مجيئهم إلى مصر، حاملين معهم عاداتهم وثقافاتهم.
ويعتقد البعض أن الهكسوس قد غزوا مصر بالخيول والعربات الحربية، وأنه كانت لهم إمبراطورية كبيرة شغلت رقعة واسعة من آسيا. ودليلهم على ذلك تشابه حصونهم مع ما عثر عليه بآسيا، إضافة إلى عناصر معمارية أخرى من وجهة نظرهم. والحقيقة أن تلك الآراء التي لا تستند على أدلة علمية خاطئة تماماً! فلم يعرف الهكسوس العربات الحربية إلا بعد مجيئهم إلى مصر وانقضاء فترة ليست قصيرة على إقامتهم بها، وربما عرفوها قبيل طردهم من مصر. وأعتقد أن هؤلاء الرعاة جاءوا من هضبة الأناضول. ولقد أجمعت النصوص المصرية على أن الهكسوس قوم سوء، أساءوا إلى المصريين بأشكال عدة وقد حكموا أجزاء من البلاد مكونين ثلاث أسرات حاكمة حسب تقسيم الكاهن السمنودى مانيتون. وقد كونوا الأسرة الخامسة عشرة من ست ملوك، بعدها الأسرة السادسة عشرة من اثنين وثلاثين ملكاً وأخيراً الأسرة السابعة عشرة التي عاصرت الأسرة السابعة عشرة الصعيدية في طيبة، ووصل عدد ملوكها إلى ٤٣ ملكاً هكسوسياً. وليس من سبيل إلى تأكيد أي من هذه الأرقام، حيث عمد المصريون القدماء إلى محو أي ذكر للهكسوس من تاريخهم.
ولقد اختلفت تقديرات العلماء لعدد السنوات التي قضاها الهكسوس بمصر، فهناك من قال إنهم استمروا لـ ٩٢٩ سنة، أو ٥١١ سنة، حيث قدر العالم الإنجليزى فلندرز بترى عدد سنوات وجودهم بمصر لخمسة قرون! وهذه جميعها آراء مبالغ فيها ولا تستند على حقيقة علمية، خاصة أن أقصى التقديرات لمدة وجود الهكسوس بمصر لا تتجاوز ١٥٠ سنة.
حاول ملوك الهكسوس تقليد ملوك مصر في ملبسهم وألقابهم، وكذلك التقاليد الملكية الأصيلة، وقد تعلموا اللغة المصرية وكذلك عبدوا الآلهة المصرية القديمة. ورغم كل هذا لم يتمكنوا من القضاء على الروح الوطنية في قلوب المصريين، بل على العكس كانت تلك الروح تقوى وتزداد مع مرور السنين. ومن أشهر ملوك الهكسوس عدد حمل اسم أبوفيس، وقد عثر على كثير من الآثار المحطمة التي تحمل أسماءهم، منها تماثيل وأحجار منقوشة وأسلحة، مثل ذلك الخنجر المصنوع من البرونز والذى عثر عليه بسقارة لشخص يدعى عبدا، وكان ملكاً لآخر يسمى نسمان وكلها أسماء سامية.
ومن أشهر ملوك الهكسوس ملك يسمى جفان حمل لقب حقا خاسوت أي حاكم البلاد الأجنبية، وقد انتشرت آثاره في مصر. وكانت بلاد كوش قد انفصلت عن مصر خلال عصر الهكسوس والذين أقاموا معهم تحالفات وعلاقات تجارية ودبلوماسية متينة نكاية في مصر والمصريين. ولذلك يمكن القول إن مصر كانت منقسمة إلى ثلاث ممالك: الأولى في الشمال من الدلتا ومصر الوسطى حتى القوصية ويحكمها الهكسوس وعاصمتها أواريس، والثانية في الوسط بين القوصية شمالاً والفنتين بأسوان جنوباً ويحكمها ملوك مصريون وعاصمتهم طيبة، والثالثة هي مملكة كوش التي تمتد من الفنتين جنوباً وحتى نباتا في السودان. لقد عبدالهكسوس معبودهم سوتخ وهو أحد صور الإله المصرى القديم ست، إله الصحراء ورمز الشر عند المصريين.
كان مركز حكم الهكسوس كما قلنا مدينة أواريس بشرق الدلتا في موضع تل الضبعة ومنطقتى الختاعنة وقنطير حالياً. فرض الهكسوس الجزية على المصريين وقد رضخ بعض من أمراء المقاطعات لمطالبهم إما اتقاء لحرب غير متكافئة أو رغبة في أن يتركهم الهكسوس ينعمون بحكم ذاتى في مقاطعاتهم؟ ظل هذا هو الحال خلال الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة. بعد ذلك بدأ أمراء الصعيد يشعرون بقوتهم وكان أكثرهم نفوذاً أمراء طيبة الذين قاموا بالتحالف مع جيرانهم ويتوسعون في حين كان عدوهم الهكسوسى يزداد ضعفاً فما لبسوا في إعلان أنفسهم ملوكاً في طيبة وورثة شرعيين لحكم مصر، ومن هنا انطلقت شرارة الحرب ضد العدو المحتل الهكسوسى. كانت البداية على يد الملك سقننرع ومن بعده ولديه كامس وأحمس.
تصف بردية سالييه من الأسرة ١٩ واحدة من مراحل الصراع بين سقننرع وملك الهكسوس أبوفيس الذي بدأ في التفكير لإيجاد حجة أو زريعة للتحريض ضد سقننرع، فاجتمع بمعاونيه ومستشاريه وقادة جيوشه وعرض الأمر عليهم، وفى نهاية الأمر قام بإرسال رسالة غريبة يطلب فيها من الملك سقننرع التوقف عن صيد أفراس النهر ببحيرات طيبة، لأن أصوات صراخها تمنعه النوم؟! وربما كان مضمون الرسالة هو أن يتوقف سقننرع عن بناء قواته من الثوار، أو أنه يطلب من المصريين فعلاً التوقف عن صيد أفراس النهر والتى هي إحدى صور معبودهم سوتخ! المهم أن الملك سقننرع أكرم وفادة رسل أبوفيس وأرسل له رداً يظهر رغبته في السلام. بعدها اجتمع الملك بمستشاريه ويبدو أنه كان هناك انقسام بين مؤيديين للحرب ضد الهكسوس ومعارضين لها. لكن الحرب وقعت ووقع الملك سقننرع شهيداً في المعركة ليكون أول شهيد مصرى في معركة التحرير. وتظهر مومياء الشهيد سقننرع الطريقة التي مات بها في أرض المعركة، حيث أصابت رأسة خمس ضربات ببلطة هكسوسية وكان الملك قد بلغ الخامسة والثلاثين من عمره، واستطاع قواده إعادة جثمانه إلى طيبة ليحنط وتقام له مراسم دفن باعتباره ملكا مصريا. وتشير مومياء سقننرع إلى تمتعه ببنية قوية، حيث يصل طوله إلى ١٨٢ سنتيمتر، وكان عريض الكتفين.
خلف كامس أبيه سقننرع على العرش وسار على نهج أبيه ونجح بالفعل في استعادت ما سلبه الهكسوس من أراضى في معركتهم مع أبيه، بل تقدم بحدوده إلى الشمال بضعة كيلومترات وهزم حكام الهكسوس في مصر الوسطى وقطع طريق المؤن التي كانت ترسل للهكسوس واستولى على ٣٠٠ مركب محملة بالأخشاب والمواد الغذائية. وبالفعل استشعر الهكسوس خطر الملك الشاب وقاموا بالاتصال بحليفهم ملك كوش في الجنوب يحثونه على الانقضاض على طيبة من الجنوب في نفس وقت انقضاضهم عليها من الشمال، وبالتالى يكون كامس وجيشه محاصراً من الشمال والجنوب. وقعت رسالة الهكسوس قبل وصولها إلى ملك كوش في قبضة المصريين، وتم القبض على الرسل. ولكن لا نعرف على وجه اليقين النهاية التي آل إليها كامس، وهل مات في معركة مع الهكسوس أم مات فجأة ودفن بالبر الغربى بالأقصر قبل أن ينقل تابوته فيما بعد إلى مقبرة بدراع أبوالنجا؟!.
تولى الملك الشاب أحمس عرش أبيه سقننرع خلفاً لأخيه ولم يكن قد بلغ السابعة عشرة من عمره، لكنه استمر في كفاحه ضد الهكسوس وقام بإعداد جيش وأسطول مصرى قوى وعندما أظهر شجاعة في المناوشات مع الأعداء التف حوله القادة الذين حاربوا مع أبيه وأخيه وحقق أحمس النصر على الهكسوس في عدة معارك حتى وصل إلى عاصمتهم أواريس وبدأ جيشة يتقدم نحو الشمال حتى نجح في النهاية في تحرير كامل الأراضى المصرية في الشمال وطرد الهكسوس خارج الحدود المصرية وبعدها استعاد أحمس الحدود المصرية الجنوبية، كذلك من قبضة الكوشيين موحداً مصر من جديد، معلناً بداية الأسرة الثامنة عشرة والدولة الحديثة التي يطلق عليها عصر بناء الإمبراطورية المصرية، والعصر الذهبى لمصر.
رغم التجربة المريرة التي مر بها المصريون خلال فترة الاحتلال الهكسوسى، إلا أنهم استفادوا كثيراً ووعوا دروس ذلك العصر واستطاعوا بناء أقوى وأعظم إمبراطورية عرفها التاريخ الإنسانى عن طريق العلم والنظام. ولا تزال آثار ملوك مصر العظام شاهدة على ما حققوه، بعدما استعادوا بلادهم من أيدى أعدائهم.