توقيت القاهرة المحلي 10:25:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبوالهول صحته زى الفل!

  مصر اليوم -

أبوالهول صحته زى الفل

بقلم - زاهي حواس

تحدثت عن أسرار «أبوالهول» وعن القصص والحكايات التى حدثت معى خلال المدة التى قضيتها مديرًا عامًّا لمنطقة أهرامات الجيزة، وأمين عام المجلس الأعلى للآثار، وبعد ذلك وزيرًا للآثار. وكانت أولى القصص الطريفة عند مجىء الأميرة الراحلة ديانا لزيارة مصر، حيث طلبت منى أن تزور الهرم، وأن أقوم بالشرح لها. وكانت المقابلة الأولى بيننا، وكان بجوارى رئيس هيئة الآثار فى ذلك الوقت، وقالت لى أميرة القلوب- ديانا- إنها كانت تذهب إلى المتحف البريطانى أسبوعيًّا لكى تقرأ عن مصر الفرعونية والأهرامات، وقد صممت الأميرة على أن تزور «أبوالهول» من الداخل، وعندما نزلنا أول سرداب أسفل «أبوالهول»، صممت بعدها أن تتسلق السقالة، وكانت سعيدة بأن نالت هذا الشرف بالقرب من وجه تمثال «أبوالهول». وعندما حدثت مأساة وفاتها، حاول البعض أن يُرجع موتها إلى لعنة صعودها سقالة «أبوالهول». وكنت فى ذلك الوقت فى مدينة لوس أنجلوس ‏عندما ماتت الأميرة مع خطيبها دودو الفايد. وقد بكيت حزنًا على وفاتهما الصادمة. وكان أن تصادف قيام مصور أمريكى بالتقاط عشرات الصور لى ولها أثناء زيارتها للأهرامات، وكانت يومها فى أبهى صورتها، رشيقة، تبتسم وهى تنصت إلى كلامى عن الفراعنة. وعندما وصلت هذه الصور إلى يد الصحفى الراحل محمود صلاح، وكان رئيسًا لتحرير مجلة آخر ساعة، قام بعمل تحقيق صحفى عن زيارة الأميرة ديانا إلى منطقة الهرم. ونشر أغلب الصور التى صورها المصور الأمريكى، وكتب عنوان التحقيق الصحفى على الغلاف، وهو «مصرى آخر غير دودى أحب ديانا».

كنت مازلت أشغل منصب مدير عام منطقة الهرم عندما أخبرنى السفير الإنجليزى بالقاهرة، وكان ذلك بعد وفاة الأميرة ديانا، أن الأمير تشارلز سوف يأتى فى زيارة إلى مصر، وأن له مطلبين!، الأول: أن يزور الهرم بعد الغروب، والثانى: أن أشرح له الهرم و«أبوالهول». وقلت للسفير: سوف أنفذ المطلب الأول، لكننى لن أستطيع تنفيذ المطلب الثانى، حيث كنت مازلت متأثرًا لموت الأميرة ديانا، ولكن السفير ألح على بضرورة وجودى ومقابلة الأمير تشارلز (فى ذلك الوقت). وبالفعل وصل الأمير تشارلز، ودخلنا معًا معبد الوادى للملك خفرع، وبعد ذلك وقفنا أمام «أبوالهول»، وكنا فى بعض الأحيان نتحدث عن الدين الإسلامى وعن الكثير من الموضوعات. ووجدت أننى أمام شخص مثقف جدًّا، قارئ نهم، لديه معرفة دقيقة بالثقافات والديانات، وأنه بالفعل شخص جدير بالاحترام.

مازلت مع الأسرار والقصص المتصلة بـ«أبوالهول»، ولكن الغريب أن كل الملوك والمشاهير الذين زاروا التمثال كان لكل واحد منهم حكاية مثيرة. وقد يكون السبب أننى لا أتحدث مع الزائر عن الآثار فقط، بل يمكن أن نتكلم فى موضوعات عديدة بعيدة عن الآثار.

‏ومن الحكايات اللطيفة عن سيلفيا براون، (العالِمة الروحانية، كما يطلقون عليها!)، عاشقة «أبوالهول»، والتى قابلتها مرات عديدة فى لوس أنجلوس، وقد جاءت إلى مصر ومعها حوالى ثلاثمائة سائح أمريكى، والتقى بها الراحل العظيم الدكتور ممدوح البلتاجى، وزير السياحة فى ذلك الوقت، وعادل عبدالعزيز رئيس هيئة تنشيط السياحة، وقبل حضور «سيلفيا» إلى مصر، قامت بعمل لقاء تلفزيونى مع المعلق الأمريكى الشهير لارى كينج على قناة «سى إن إن» الإخبارية. وقد كان لهذا اللقاء تأثير كبير فى معرفة العالم كله بحضورها إلى مصر، وألقت «سيلفيا» كلمة فى حفلة وزارة السياحة، عبرت فيها عن عشقها لمصر وآثار مصر وشعب مصر المضياف البشوش. وقالت إنها جاءت إلى مصر رغم التحذيرات الموجودة فى ذلك الوقت، إلا أنها تعرف أن مصر هى أول دولة فى العالم وقّعت اتفاقية للسلام بين الملك رمسيس الثانى وملك الحيثيين.

‏وكانت تتنبأ بمستقبل كل شخص يقابلها!، فمثلًا قالت لى إننى سوف أكتشف ثلاثة اكتشافات أثرية مهمة جدًّا، منها كشف أمام «أبوالهول» مباشرة. وعقبت على كلامها قائلًا: «أنا أؤمن بأن المستقبل لا يعلمه إلا الله». وقالت لى إنها تعلم تمامًا أننى لا أصدقها، وطلبت منى أن نذهب معًا إلى «أبوالهول» لكى أسمع منه عن المستقبل. كنت على يقين أنها «ست مجنونة!». وقد اتصل بى الراحل العظيم الدكتور ثروت عكاشة، وقال لى أنا سمعت أنك تعرف العالِمة الروحانية سيلفيا براون، فقلت له: نعم أعرفها!، فقال: هل ممكن أن تحدد لى موعدًا معها لأننى أود أن أرسل رسالة إلى المرحومة زوجتى!، وفعلًا تقابل معها فى أحد فنادق القاهرة، وفى اليوم التالى اتصل بى يشكرنى، وكان سعيدًا للغاية. ولكننى لم أعرف ماذا حدث فى اللقاء بينه وبينها، ولم أسأله مطلقًا، وهو لم يحاول إخبارى متطوعًا.

‏للأسف الشديد، هناك البعض الذى يبحث عن الشهرة بأى وسيلة، ولو على أكتاف «أبوالهول» والحضارة المصرية كلها!، ورغمًا عن هؤلاء المجانين، ستظل الشمس تشرق كل صباح على وجه «أبوالهول» الرابض أمام أروع ما شيدته الإنسانية من حضارة. وسيظل أبوالهول الحارس الأمين على هذه الحضارة وعنوانها، ولن تهدمه أو تنال منه تلك الآراء الهدامة التى خرجت علينا مؤخرًا تقول إن «أبوالهول» سوف يندثر ويُقضى عليه تمامًا خلال السنوات القليلة القادمة!، وللأسف الشديد، تلقفت المزاعم الكاذبة بعض وسائل الإعلام لتثير الحزن والغضب فى نفوس المصريين!، وذلك دون أن تكلف نفسها جهد البحث عن حقيقة هذا الباحث عن الشهرة الذى يزعم أن «أبوالهول» الصامد سوف ينهار خلال أيام أو شهور، ومن الغريب أن مَن يقول ذلك لا علاقة له أو صلة بالآثار أو بالعلم، ويصر على أن يقدم لنا نفسه دائمًا على أنه المؤرخ وعالم الآثار، وهو فى حقيقة الأمر لا شىء على الإطلاق سوى إنسان مسكين تسيطر عليه الأوهام. ويبدو للأسف أن خياله المريض صور له أنه عالِم آثار، وأنه مكتشف، نراه ينشر على صفحات الجرائد والمجلات يزف لنا خبر كشفه أنه كان لـ«أبو الهول» توأمًا!، وأن هناك برديات فرعونية بالمتحف البريطانى ستغير التاريخ المصرى القديم لو تم الكشف عنها على حد زعمه!، لكن عندما يتعلق الأمر بأعز ما نملك من تراث حضارى ورمز وعنوان الحضارة المصرية القديمة، وهو تمثال «أبوالهول» والقول إنه سينهار، هنا لابد للجميع أن يدرك أن الضحية ليس الأثر فقط، بل هو كل إنسان يقدر قيمة هذه الحضارة، وهذا الأثر. ولن أنسى ذلك اليوم حينما سقط حجر من كتف «أبوالهول» عام ١٩٨٨، واهتز العالم كله لهذا الحادث، وبعدها كنت واقفًا أمام بائع بسيط، وبعد أن عرفنى وجدته يسألنى عن التمثال وصحته، وقد تهللت أساريره وأنا أخبره أن «أبوالهول» سيظل رابضًا أمام أهرامات الجيزة لكل الأجيال.

‏من حق أى إنسان أن يتكلم فيما يشاء، ولكن من واجب الإعلام أن يدقق فى المعلومة ومصدرها ويعود إلى المتخصصين ليتحقق منها قبل نشرها، فهذا جزء لا يتجزأ من أخلاقيات المهنة وميثاق شرفها. وإذا كان هذا هو الواجب مع كل وأى خبر، فما بالنا إذا كان الخبر يخص «أبوالهول»، مركز الذاكرة المصرية؟. إن الأمر يتطلب، بل يحتم الرجوع إلى كل مسؤول عن «أبوالهول»، خاصة أن موضوع تحديد مستقبل التمثال وعمره يتطلب الرأى العلمى ليس فقط من الناحية الأثرية، ولكن من خبراء الجيولوجيا، والترميم. مما لا شك فيه أن قيام الصحف ووسائل الإعلام بنشر أخبار تزعم أن «أبوالهول» سوف ينهار فى أيام يُعتبر جريمة يجب أن يحاسب عليها مرتكبوها.

‏لقد سألتنى المذيعة اللامعة منى الشاذلى عن حقيقة موضوع غرق «أبوالهول» فى المياه الجوفية، وهل صحيح أن التمثال سوف يختفى خلال أيام؟، وكانت إجابتى عبارة عن أسئلة وعلامات استفهام يجب علينا جميعًا أن نسألها، وهى: مَن مصدر هذا الخبر؟، وما تخصصه؟، ما وسائله فى تأكيد ما يقول؟، وبالطبع، فلقد كان الموضوع كله مستندًا إلى ما ورد فى إحدى المجلات الأسبوعية!. وهنا أود أن أعرض لكم هذه القصة مع صحفى أمريكى من جريدة واشنطن بوست علّها تكون درسًا مهمًّا لنا.

كان مرتبًا لى أن ألقى محاضرة عن «أبوالهول» والاكتشافات الحديثة، وذلك فى معهد الـ«Smithsonian» بالولايات المتحدة الأمريكية. وقبل المحاضرة، قابلنى أحد الصحفيين، وأجرى معى حديثًا مطولًا عن «أبوالهول»، وبعد انتهاء الحديث سألته عن موعد نشر هذا الحوار الصحفى، فقال لى بالحرف الواحد: سوف أقرأ أولًا كل ما كُتب عن «أبوالهول» حتى أستطيع أن أعرف ما الجديد الذى قدمته لنا عنه!، هل وصلت الرسالة؟.

فى كل محاضراتى أمام «أبوالهول» وعند الأهرامات أقول الآتى: لو أن أى إنسان وقف أمام هرم الملك خوفو ونظر إليه، فلن يتصور أن هناك بشرًا يمكن أن يبنى هرمًا بهذا الحجم، والسبب فى ذلك هو أنه لا يعرف شيئًا عن الحضارة المصرية!، لأن الهرم كان هو المشروع القومى لكل المصريين، وأن العائلات التى تسكن الصعيد والدلتا كانت تشارك فى بناء الهرم عن طريق إرسال العمال والمأكولات لبناء الهرم مقابل الإعفاء من الضرائب، بناء الهرم هو الذى بنى مصر.

‏أما موضوع المياه الجوفية التى قيل إنها تهدد «أبوالهول»، فلابد أن نعلم أن القياسات التى تمت أخيرًا أسفل التمثال أكدت أن المياه تبعد حوالى خمسة أمتار أسفل التمثال، وهى مياه عذبة لا تشكل تهديدًا على جسم «أبوالهول». وأود أن أشير أيضًا إلى أن النحات المصرى القديم عندما نحت «أبوالهول» كان مدركًا تمامًا لوجود مشكلتين الأولى وجود مياه جوفية أسفل التمثال والمشكلة الثانية التى واجهت المصرى القديم هى صخرة التمثال، حيث المنطقة السفلى والوسطى أسفل الرقبة هشة، وتحتاج إلى حماية، لذلك قام المصرى القديم بكسوة جسم «أبوالهول» بكساء من الحجر الجيرى، وذلك لكى يقوم بنحت النسب التشريحية لجسم الأسد على أحجار الكساء، وفى نفس الوقت هذا الكساء يحمى «أبوالهول». إن صخرة تمثال «أبوالهول» الذى يقع فى النهاية الشرقية لهضبة الجيزة هى صخرة رسوبية تكونت من أكثر من ستين مليون سنة، وتنتمى إلى عصر الأيوسين، وهى عبارة عن حجر جيرى يتكون من كربونات الكالسيوم والشوائب الأخرى، كأكسيد الحديد والكوارتز وكربونات الماغنسيوم. وتؤكد الدراسات التشريحية للجسم أن صخرة «أبوالهول» تتكون من ثلاث طبقات جيولوجية أقواها منطقة الرأس والرقبة، وأضعفها الجزء السفلى الذى قام المصرى القديم بكسوته بالأحجار.

أبوالهول صحته زى الفل.. ويجب ألّا نسمع لمهاويس البحث عن الشهرة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبوالهول صحته زى الفل أبوالهول صحته زى الفل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها
  مصر اليوم - منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon