ربّما يكون الكاتب الأستاذ محمد حسنين هيكل.. الصحفى الأكثر مهارةً فى العالم. وظَنِّى أنّه لو كان هناك مؤشّر عالمى لمستوى الصحفيين.. لَصَمَدَ «الأستاذ» سنوات طويلة فى أعلى التصْنيف.
(1) نجح الأستاذ هيكل فى وقتٍ قصير فى أن يجعل من «الأهرام» واحدةً من كبرى عشر صحف فى العالم.. وأن يدشِّن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الذى كان واحدًا من أفضل (30) مركز أبحاث على المستوى الدولى.
فى زمن «هيكل».. كان أحد كُتّاب الأهرام.. الأديب العالمى نجيب محفوظ.. العربى الوحيد الذى حاز جائزة نوبل فى الآداب، وكان أحد الباحثين فى الأهرام الدكتور بطرس غالى.. العربى الوحيد الذى تولى منصب أمين عام الأمم المتحدة.
وفى زمانه أيضًا.. تألّقت ركائز القوة الناعمة المصرية على صفحات الأهرام.. من توفيق الحكيم.. إلى يوسف إدريس.. وتردّدَ على مبنى الأهرام نجومُ ذلك العصر.. من السيدة أم كلثوم فى الفن إلى جان بول سارتر فى الفلسفة.. ومن الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات إلى الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران.
نَقَلَ الأستاذ هيكل الكتابةَ السياسية إلى مستوى لا سابقَ له، كما نَقَلَ مكانة الصحف إلى سقفٍ غير مسبوق.. حيث باتَ بإمكانه أن يرفض الوزارة وكبريات المناصب.. اعتزازًا بالصحافة والكتابة.
كما أسَّس الأستاذ هيكل أفضلَ تقليدٍ فى تاريخ الصحافة.. وهو «التقاعد الوظيفى.. من دون التقاعد المهنى».. وأن ينتقل الكاتب إذا ما غادَرَ المنصب.. من الصحيفة إلى الكِتاب.. ومن صالة التحرير إلى دار النشر.
ثم إن «الأستاذ» قد نَجَحَ على نحوٍ غير مسبوق.. ولايزال متفردٍّا دون تكرار.. فى تأسيس أقوى مؤسسة شخصية فى العالم العربى.. أن يصبح الكاتبُ هو نفسه مؤسسة.. ولقد نجح نموذج «الكاتب المؤسسة».. ليصبح هيكل- فى ذاته بقوةِ «الأهرام».. أو يزيد.
(2) هنا نقلةٌ كبرى.. ومعضلةٌ كبرى أيضًا.. فقد اعتبر «الأستاذ» أن «الهيكليّة» هى الوسيلة والغاية.. وأنه ينبغى أن يتوقف الفكر السياسى.. وأن تتجمّد مهنة الصحافة.. لتصبح كلها مجرّد مصابيحَ على «الأستاذ». أن تنطفئ الصحافة والسياسة.. لكى يضىء «الأستاذ».. وأن تتوزّع الأدوار من حوله ما بين معجبٍ.. وتابِعِ.
إن «الأستاذ» الذى كتب فى «أربعين» الرئيس عبدالناصر: «عبدالناصر ليس أسطورة».. قد سَاعَدَ صحفيًّا عربيًّا ليؤلف كتابًا بعنوان «هيكل الأسطورة»!
(3) ربّما يتوجب هنا أن أُشير، من جديد، إلى أن كاتب هذه المقالات يدرك تمامًا وزن الأستاذ، بقدر ما يُدرك تمامًا وزن الأخطاء.. وأن النظر من خلال هذه المقالات لا يسير عبْر مرايا «مقعّرة».. فتذهب إلى التّضخيم.. ولا مرايا «محدبّة».. فتذهب إلى التّصغير.. بل إنها تمضى على نحوٍ عِلمى.. تضبِط المسافات.. وترى الأشخاص والأحداث.. بالأحجام الطبيعية.
(4) يمكن- دون عناء- إذا ما استقامتْ الرؤية.. أن نَلْمَحَ معالمَ كثيرة للارتباك الفكرى عند الأستاذ محمد حسنين هيكل.
ثمّة معالم بارزة لا تحتاج إلى جهدٍ بحثى لأجل الوصول.. مثلاً.. كان «الأستاذ» يرى.. أن ضباطًا من الجيش الصِّربى كانوا وراء أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة.
مثلاً ثانيًا.. كان «الأستاذ» يجزم باستحالة وصول المرشح الرئاسى باراك أوباما إلى السلطة.. وأن المجتمع لن يسمح- أبدًا- بوصول «أسود» إلى البيت الأبيض.
مثلاً ثالثًا.. كان «الأستاذ» يقطع أن أوباما لن يغيّر سياساته تجاه إيران. ومثلاً رابعًا.. أكّد «الأستاذ» استحالة أن تحارب المملكة العربية السعودية فى اليمن.
ومثلاً خامسًا.. قال الأستاذ: إن من يعتقد أن «مرسى» سيسقط لا يفهم شيئًا.. فالإخوان المسلمون، ومعهم (18) مليون مصرى.. لن يسمحوا بسقوط الشرعيّة.. حتى لو كلّف ذلك حربًا أهلية.. «مرسى» لن يسقط.. وما يحدث «همجيّة» مدعومة من الخارج بعد فشلها فى الصندوق!
نقلاً عن "المصري اليوم"