(1) التقيتُ الملك سلمان بن عبدالعزيز مع الدكتور أحمد زويل، وكان أميرًا على الرياض، ثم قابلتُه مع الرئيس عدلى منصور وكان وليًّا للعهد.. وفى المرتيْن كان الأمير محمد بن سلمان حاضرًا.. فى جدّة وفى الرياض.
ولقد أُتيح لى متابعة الشأن السعودى سنواتٍ طويلة.. فيها قرأتُ واستمعتُ.. وفيها أيضًا تحدّثتُ وكتبتُ.
واليوم أجدُنى أقول إن السعودية قد تغيّرت.. وإن قواعد الاستراتيجية التى صَمَدتْ سبعين عامًا تواجِه تحديّات كبرى وتحولات مصيريّة.
(2) قامت الاستراتيجية السعودية طيلة العقود الفائتة على أساس التوافق الدينى العام، وفائض الثروة الكبير، والعلاقات الراسخة مع الولايات المتحدة.
واليوم تواجِه المملكة معضلات ثلاث فى القواعد الثلاث.. أصبح التطرف السنّى والشيعى مُربِكًا لأيديولوجيا المملكة.. من جماعات شيعية متطرفة تبثُّ الفتنة والانقسام.. وتستهدف الأمن القومى والسلام الاجتماعى، إلى جماعات سنّية متطرفة تناهض الإطار الدينى فى المملكة وتزايد عليه.. وتسعى إلى إسقاط الدولة.. من أجل تأسيس خلافة قاعديّة أو تمديد الخلافة الداعشية. وحين صنّفت المملكة عددًا من المنظمات الدينية باعتبارها منظماتٍ إرهابية.. شملَ منظماتٍ شيعيةً وسنّيةً على السواء.
أصبحت الأيديولوجيا السعودية فى مرمى النيران.. وأصبح الهجوم من جانب المتشددين والليبراليين على السواء.. يهاجم المتطرفون الأيديولوجيا الحاكمة.. باعتبارها غير ملتزمة بقواعد الدين الصحيح، ويهاجم الليبراليون الأيديولوجيا الحاكمة باعتبارها أيديولوجيا متزمتّة فى فهم الدين الصحيح.
إذن.. فإن الإطار الفكرى والدينى الذى ساد المملكة منذ تأسيسها على يد الملك الموحِّد عبدالعزيز آل سعود.. إنما يواجه غضب المتطرفين السُّنة والمتطرفين الشيعة وأعدادٍ من الليبراليين.. على نحو غير مسبوق.
لا أقول- بالطبع- إن تلك التحديات هى تحدياتٌ جديدة.. ذلك أنها كانت قائمة وموازيةً لمسيرة المملكة.. وهناك أجيال من الليبراليين الغاضبين، والسنة المتشددين، والشيعة الناقمين.. ولكن ذلك كله كان فى إطارٍ من المحدوديّة والسريّة.. وعدم الصعود الكبير الذى يهدِّد أيديولوجيا الدولة.
لكن الأمر بات الآن أكثر خطرًا.. وأعنف صِدامًا.. وأدْعى لإعادة النظر فى آليات العمل.. ومجابهة مخاطر تصدّع «النظرية» الحاكمة للدولة السعوديّة.
(3) تتوازى مع «أزمة الأيديولوجيا» أزمةٌ أخرى هى «أزمة النفط».. فقد أدى نموّ السكان الذى جاوز الثلاثين مليونًا، وانخفاض أسعار النفط.. إلى ظهور «مشكلات جديدة» تواجه الدولة السعودية.. ولا تعرف الأجيال الجديدة كيف يمكنها العيْش معها.
ثمّة عجز فى الموازنة، وتراجع فى احتياطى النقد الأجنبى، وارتفاع فى واردات السلاح.. ثمة ديون جديدة.. وسياسات تقشفيّة لم تكن قائمة.. من خفضِ الرواتب وخفض دعم الوقود.. إلى فرض رسوم جديدة على الحج والعمرة.
وصار جانبٌ أساسىٌّ من «الحرب النفسية على المملكة» يتحدث فى صحف أمريكا وأوروبا وإسرائيل عن «إفلاس السعودية».. وعن قرب الوصول إلى نقطة الصفر!
(4) يتوازى مع ذلك- أيضًا- ذلك التحوّل الضخم فى العلاقات السعودية- الأمريكية.. وهو التحوّل الذى صاحبَ إصدار ما يُسمّى «قانون محاكمة السعودية».. والذى يرى محللون أنه يستهدف الاستيلاء على الأموال السعودية داخل الولايات المتحدة، والتضييق عليها خارجها. وهو القانون الذى كان يمكن منعُه منذ البداية، وكان يمكن منعُه قبل النهاية.. ولكنّهُ مضَى ليضع الحليف الاستراتيجى فى دائرة الاتهام.. وليدرك الجميع- دون عناء- أنّ الأمر ليس إلّا «تقنين الابتزاز».
أصبحت القاعدة الثالثة.. العلاقة الوثيقة بين الرياض وواشنطن فى نطاق الماضى، وحسب تعبير الأمير تركى الفيصل.. فإن الأيام الخوالى بين السعودية وأمريكا لن تعود كما كانت.
(5) لا تستسلم المملكة الصديقة لهذه التحديات، وتعمل الحكومة السعودية على تطوير استراتيجية «السعودية 2030» لمواجهة تحديات «ما بعد النفط». تدرك المملكة أنها باتتْ فى دائرة الاستهداف.. وكان الأمير محمد بن نايف واضحًا فى التوصيف: «بلادنا مستهدفة.. الاستهداف واضح.. لا يختلف عليه اثنان.. لا يمكن أن نقول لهم: لا تستهدفونا.. الحلّ أن نُحصِّن أنفسنا».
(6) السعودية فى خطر، وما يصيب السعودية يصيب مصر، والتحديات التى تواجه الرياض لها أثرها الكبير على القاهرة.
وإذا كُنّا إزاء «السعودية الجديدة».. أو «سعودية ما بعد النفط وأمريكا».. فإنّه ينبغى السعى إلى تأسيس «الأمة العربية الجديدة». إن «العروبة الجديدة» هى وحدها القادرة على مجابهة المشاريع الإقليمية والدولية.. التى تسعى لخروج منطقتنا من العالم.. ولا يغفِر التاريخ لمَن يفهم متأخرًا!
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر