إذا ما أُصيب أحد الأنهار بالتلوث.. هل تبدأ عمليّة التّطهير من المنْبع أم تبدأ من المصبّ؟!
تريدُ بعض الدوائر الغربية أن تكون الحرب فى المصبّ.. وهو ما يعنى استمرار عملية التغذية لمجرى الإرهاب.. ليصبح العالم الإسلامى أسير محنة «سيزيف».. كلما كان على وشك الوصول إلى الهدف.. يعود إلى نقطة البداية من جديد!
( 2 )
يُدرك بعض المخلصين فى الغرب أنّه ينبغى أن يعمل العالم بإخلاص فى مكافحة الإرهاب.. وأن الحرب الحقيقية يجب أن تكون فى المنبع.. وأن تنطلق معاركها من روافد النهر.
لكن هذا التقدير الصائب لايزال محدودًا أمام مدارس أخرى ترى أن الخطر بعيدٌ.. وسيبقى بعيدًا.. وأن ما يجرى هو عملية تدمير المسلمين بالمسلمين.. وسيخرج الغربيّون من بينهم سالمين!
وهو ما يعنى الحاجة إلى تأسيس «تيار إنسانى عالمى» لمحاربة الإرهاب.. انطلاقًا من أن الخطر يشمل العالم بكامله.. اليوم هنا.. وغدًا هناك.. وأن تأخر الوصول ليس إلا بسبب بعض الانشغال وفروق التوقيت.
( 3 )
يحتاج «التيار الإنسانى العالمى» أن يحارب تراث الاستعمار.. وأخلاقيات المستعمرين التى نشأت على أفكار مروّعة مثل.. «فَرِّقْ تَسُدْ».. و«استحالة الحداثة».. و«الشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتقيا».
ولقد وجدتُ فى زيارتيْن أخيرتيْن صدىً لرغباتٍ إنسانيةٍ صادقةٍ وصاعدة. فى الأولى زرتُ فرنسا.. وقمت برئاسة ندوة عن مكافحة الإرهاب.. بدعوة من معهد ابن سينا فى باريس.. برئاسة الدكتور محمد البشارى. وفى الثانية زرتُ المملكة المغربية.. والتقيتُ عددًا من نواب البرلمان الأوروبى من تيّاراتٍ مختلفة.. ضِمن جلسة نقاش انعقدتْ فى العاصمة الرباط.
وكان من بين ما قلتُ لأعضاء البرلمان الأوروبى.. إن الخطر قد وصل إلى أوروبا بالفعل.. وإنّه إذا لم يتعاون المسلمون والأوروبيون لنتجاوز معًا تراث الحروب الصليبية وعصر الاستعمار.. فإن الخطر سيطيح بالحضارتيْن معًا.. ولن تنجو الحضارة الأوروبية أو تفلتَ بمفردها من المأساة.
( 4 )
إن أوروبا تساهم فى تأزيم الحرب على الإرهاب.. بدعمها لمنابر التطرف وشيوخ الفتنة فى أوروبا. إن عددًا كبيرًا من دُعاة التكفير يجدون فى عواصم الغرب ملاذًا آمنًا.. بل إضاءاتٍ إعلاميةٍ.
يتصوّر البعض فى الغرب أن إبراز «صناعة التخلف» والتى يُمثلها هؤلاء.. إنما تُمثل إساءةً مطلوبةً للإسلام والمسلمين.. ولم يدركوا أن هؤلاء العملاء قد أثّروا بآرائهم فى جيلٍ جديدٍ.. ليس جزءًا من اتفاق التشويه والإساءة، وأنّ قطاعًا منه سيعمل ضدّ الدولة والمجتمع.. كما أن قطيعًا كبيرًا من الذئاب المنفردة.. ممن تأثروا بالعملاء.. دون أن يحضروا اتفاقات «التطرف العميل».. سوف يسلُكُ طريق الدمّ.. فى ثباتٍ وثقةٍ.. وفى هدوءٍ تام.
( 5 )
إذا مضَى «الاستعمار الجديد» على خُطى «الاستعمار القديم».. فإن النتائج لن تكون كما كانت.. والنهاية لن تُكرر كما سبقتْ. سيقضى الاستعمار الجديد على الكثير من إمكاناتِنا.. لكنه سيقضى أيضًا على الكثير من إمكاناتِه.. هو الآخر.
إن الحلّ يكمن فى بلورة «تيار إنسانى عالمى».. وتأسيس «مؤسسة دولية» تصوغُ جهود هذا التيار. إن العالم يحتاج إلى تأسيس «المفوضية الدولية لمكافحة الإرهاب».. لتكون فضاءً فكريًا وسياسيًا.. لمواجهة أيديولوجيا الدمّ.. برؤية متكاملة.. للإصلاح الفكرى والثورة الثقافية.
إن أولى معارك «المفوضية» المقترحة.. هى مكافحة الإرهاب على شبكة الإنترنت.. فمن هنا تنطلق رحلة الإرهاب.. ومن هنا يجب أن نبدأ.. إنها «الحرب الإلكترونية».. أو هى «حرب ما قبل الإرهاب».
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر