توقيت القاهرة المحلي 20:15:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موسما الهجرة من لبنان وإليه!

  مصر اليوم -

موسما الهجرة من لبنان وإليه

بقلم - حازم صاغية

ربّما جاز التأريخ لكسر الأساس الوطنيّ للسياسة في لبنان بالعام 1982. صحيح أنّ الأساس هذا لم يكن صلباً، وكان دائماً عرضة لطعون واختراقات. لكنْ في 1982 نشأت، في النظريّة كما الممارسة، منظومة سياسة أخرى مكتملة العدّة، ما لبثت أن غلبت التقليد السياسيّ اللبنانيّ وألحقته ذليلاً بها.

 

ما حصل آنذاك، مع انطلاق موسم الهجرة السياسيّة من لبنان، أنّ رئيس الجمهوريّة الياس سركيس، وبُعيد الغزو الإسرائيليّ، شكّل «لجنة خلاص وطنيّ» ضمّت أبرز قادة الطوائف، ومنهم رئيس «حركة أمل» نبيه برّي. لكنْ ردّاً على مشاركة برّي، انشقّ المدعوّ حسين الموسوي عن حركته، قبل أن يؤسّس «أمل الإسلاميّة». وفيما اتّهم الموسوي برّي و»أمل» بالخيانة ووصفهما هجائيّاً، بالعلمانيّة، كانت عناصر من «الحرس الثوريّ» الإيرانيّ تتدفّق، عبر دمشق، على بعلبك. وما لبثت «أمل الإسلاميّة» أن تحوّلت مصدراً من مصادر الحزب الجديد الذي أُسّس في السفارة الإيرانيّة بسوريّا، حاملاً اسم «حزب الله». وما هي إلاّ أشهر حتّى احتلّ شبّان الحزب والحرس معاً «ثكنة الشيخ عبد الله»، أهمّ ثُكن الجيش في منطقة البقاع، فاستولوا عليها وأقاموا فيها.

هذا التأسيس، الذي تلازم مع الغزو الإسرائيليّ والحرب العراقيّة – الإيرانيّة، وفّر لطهران قاعدة لم يُرد القيّمون عليها أن يفكّروا مع باقي اللبنانيّين في كيفيّة الخروج من الاحتلال الإسرائيليّ، ولا في المسائل والنزاعات الإقليميّة التي يواجهها الوضع اللبنانيّ.

ومذّاك راحت تتكاثر محاور التحطيم المنهجيّ لأساس السياسة الوطنيّ. وحتّى 2005، وباستثناءات نادرة، ارتبط تناسل تلك المحاور برعاية النفوذ الأمنيّ والعسكريّ السوريّ.

فللمرّة الأولى في لبنان، نشأت آيديولوجيا رسميّة تعلّمنا كيف ينبغي أن نفكّر، وما المقبول وما المرفوض، وهكذا حبلت «عروبة لبنان» السوريّة بثالوث «جيش وشعب ومقاومة» بوصفها ترصيعاً للبيانات الحكوميّة. وصار التعطيل سمة تلازم المؤسّسات، فيُغلَق البرلمان وتسقط الحكومات بـ»ثلث معطّل» ويُحال دون انتخاب رئيس للجمهوريّة، أو يُملى رئيس لا يُنتخب سواه، وذلك لأسباب يصعب ربطها بالحياتين السياسيّة والدستوريّة. وغدا العنف بأشكاله كافّة سمة من سمات الحياة العامّة. وقبل اغتيال رفيق الحريري وبعده، باتت أسماء المقتولين والمخطوفين، من سياسيّين وكتّاب وصحافيّين وضبّاط، ومن لبنانيّين وعرب وغربيّين، تنافس أسماء المنضوين في نقابات مهنيّة. ولئن ترافق الربع الرابع من تلك الحقبة مع انهيار اقتصاديّ فادح ومع تفجير المرفأ، تصدّى «حزب الله» للحركة الإصلاحيّة في 2019 تصدّيه للتحقيق بتفجير المرفأ، ما ذكّر بتصدّيه للتحقيق في اغتيال الحريري. وبعدما كان من مقوّمات الكيان اللبنانيّ توسيع رقعة الصداقات مع الدول العربيّة والغربيّة سواء بسواء، قامت الحكمة الجديدة على تنفير الطرفين وتوسيع رقعة العداوات، ما انعكس عزلة للبلد وإضعافاً لقدرته على معالجة كارثته الاقتصاديّة. وبعد أن تحرّر لبنان في 2000، بقي السلاح غير الشرعيّ مرفوعاً، وبعد ستّ سنوات خطف الحزب جنديّين إسرائيليّين فجرّ البلد إلى حرب مدمّرة. وإذ أمكن التوصّل إلى القرار 1701 مُنع الجيش عمليّاً من التوجّه إلى الجنوب ووضعت العوائق أمام القوّات الدوليّة التي وُصفت بالعمالة لإسرائيل. أمّا القرار الدوليّ 1559، الذي ارتكز إليه القرار 1701، فجُعل حديث خرافة. وشُنّت على السوريّين حرب احتلاليّة ساهمت في أعمال قتل وانتهاك وتهجير موسّعة، مُتوّجةً نشاطات تدخّليّة في العراق واليمن وسواهما. وبموازاة تطييف لا سابق لحدّته، شاعت في المجتمع أفكار وقيم شديدة الرجعيّة حيال المرأة والحرّيّة والتقدّم...

واليوم يقال إنّنا على وشك الدخول في موسم هجرة مضادّة إلى لبنان وإلى تقاليده السياسيّة والأسس الملازمة لمعناه ولاشتغاله. فرئيسا المجلس والحكومة أصدرا بياناً غير مألوف يدعو إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس، وتحدّث مندوب لبنان في الأمم المتّحدة بلغة لم تعد مسموعة منذ أربعة عقود. لكنّ هذه البدايات لا تزال متواضعة جدّاً قياساً بحجم الكارثة التي حلّت، والكارثة التي قد تحلّ فيما لو أفضى الجنون الإسرائيليّ إلى احتلال الجنوب أو جزء منه. فنحن اليوم بحاجة إلى إجماع على إنهاء الحرب، يكون الحزب في عداده، وهذا كي يحملنا العالم على محمل الجدّ، فيضغط فعليّاً على إسرائيل بما يوقف قتلها المعمّم ويؤهّلنا لمواجهة عزلتنا وإعادة البناء ومعالجة التهجير والنزوح المتفاقمين.

فلبنان ينبغي أن يعاد تأسيسه انطلاقاً من تجربته المُرّة وعِبَرها، لا بناءً على رسالة «الدعم لصمودنا» التي تلقّيناها من الوزير الإيرانيّ الزائر، أو على خطبة مرشده التي تحضّنا على مزيد من المقاومة، ولا تعدنا عمليّاً إلاّ بجنازات لائقة. فلا بدّ لإعادة التأسيس أن تقطع مع الماضي، ومع زمن الميليشيات، فتعلن بلدنا بلداً حياديّاً حيال الصراعات المسلّحة، دولتُه الشرعيّة تقرّر أمره، وجيشها وحده يتولّى التنفيذ.

بهذا فقط نخرج من حالات الحرب الانتحاريّة من غير أن نعيش على حافّة الاحتراب الأهليّ أو في قلبه، وحينذاك يغدو الكلام عن موسم العودة السياسيّة إلى لبنان كلاماً مُقنعاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسما الهجرة من لبنان وإليه موسما الهجرة من لبنان وإليه



GMT 02:50 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

خطى تتعثَّر

GMT 02:41 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إيران باتت تدافع عن نفسها

GMT 02:31 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

روح أكتوبر!

GMT 02:28 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أكتوبر.. رمز النصر والإرادة

GMT 02:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 02:21 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتجسس على أصدقائها.. فما البال بأعدائها؟!

GMT 02:14 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حوارات لبنانية

GMT 08:24 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

بري رجلُ السَّاعة

جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم
  مصر اليوم - سوسن بدر تتحدث عن حبها الأول وتجربتها المؤثرة مع والدتها

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:27 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

مان سيتي يواجه إيفرتون في قمة نارية بالدوري الإنجليزي

GMT 19:37 2019 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

نشوى الرويني تطلب الدعاء لابنها المريض

GMT 21:30 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تناول الجرجير يحد من الإصابة بمرض السرطان

GMT 20:05 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

مقتل ضابط برتبة ملازم أول في الجيش العراقي

GMT 00:00 2023 الأربعاء ,26 تموز / يوليو

ميار شريف تودع بطولة هامبورج للتنس

GMT 06:48 2021 السبت ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الإفراط في تناول اللحوم يؤثر على الصحة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon