توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في ما خصّ المساجلات بشأن الإمبرياليّة وسوريّا

  مصر اليوم -

في ما خصّ المساجلات بشأن الإمبرياليّة وسوريّا

بقلم: حازم صاغية

بين سبعينيّات القرن الماضي وأواخره تكاثرت الحالات التي، لولا العذابات والآلام التي انطوت عليها، لصحّت تسميتها بالمساخر:
عراقيٌّ يسمّي نفسه مناهضاً للإمبرياليّة يعتقله أمن صدّام حسين ويمارس عليه أقصى التعذيب، بحجّة أنّه عميل للإمبرياليّة. لكنّ الضحيّة لا يكتم خوفه من سقوط النظام السوريّ بوصفه نظاماً معادياً للإمبرياليّة.
سوريٌّ يسمّي نفسه مناهضاً للإمبرياليّة يعتقله أمن حافظ الأسد ويمارس عليه أقصى التعذيب، بحجّة أنّه عميل للإمبرياليّة. لكنّ الضحيّة لا يكتم خوفه من سقوط النظام العراقيّ بوصفه نظاماً معادياً للإمبرياليّة.
وطبعاً هناك اللبنانيّ المناهض للإمبرياليّة الذي يعاني في بلده وطأة النظام السوريّ، إلاّ أنّه لا يتمنّى لهذا النظام إلاّ طول البقاء في سوريّا والصمود في مواجهة الإمبرياليّة.
عذابات الضحايا وآلامهم غالباً ما بدت مجّانيّة، وغالباً ما بدا سبب مجّانيّتها كامناً في الوحدة اللغويّة والمفهوميّة التي تجمع بين الضحيّة والجلّاد.
القطيعة بينهما كانت تحصل عند المنعطفات الكبرى، لا سيّما سقوط الأنظمة أو ظهور ما يهدّدها بالسقوط. في هذه الحالة يكتشف الضحيّة أنّ هناك سياسة وطنيّة يقيس الأمور عليها، وأنّ هناك وطناً ينبغي تدبّره، بدل القياس اللزج على إمبرياليّة (تتأبّط الصهيونيّة) لا تقلّ لزاجة. هنا يحصل الانتقال من الكلمات والطاقة السحريّة التي تنطوي عليها إلى إلحاح الواقع الحارق. العراقيّون بدأوا يتعرّفون إلى هذا التحوّل مع حروب صدّام التي انتهت بسقوطه في 2003. اللبنانيّون بدأوا يلمسونه مع اغتيالات 2005. السوريّون مع ثورتهم في 2011.
مناسبة هذا الكلام نقاش تجدّدَ مؤخّراً حول مناهضة الإمبرياليّة: طرف يحصر هذه المناهضة بالغرب الأميركيّ والأوروبيّ، ويبرّر، تبعاً لذلك، اصطفافه وراء بشّار الأسد ما دام أنّه يناهض الإمبرياليّة وتناهضه. وطرف يوسّع المفهوم ليشمل الروس والإيرانيّين أيضاً، مستنتجاً أنّ مناهضة الأسد مناهضة لتلك الإمبرياليّة وفق نظرة أشمل إليها.
إنّه خلاف نموذجيّ في دلالته على معنى التواصل أو القطع في المفاهيم: فإذا اعتمدنا المعيار اللينينيّ في تعريف الإمبرياليّة (نشأة الاحتكارات بنتيجة تركّز الإنتاج ورأس المال، واندماج رأس المال المصرفيّ برأس المال الصناعيّ ونشأة رأس المال الماليّ، وتصدير الرساميل كجهد مستقلّ عن تصدير السلع، وتشكّل المؤسّسات الاحتكاريّة المُجمّعة كالترستات والكارتيلات، والتقاسم الترابيّ للعالم في ما بين تلك القوى الرأسماليّة الكبرى) انتهينا إلى صعوبة إدراج روسيا، ناهيك عن إيران، في هذه الخانة. لكنْ إذا طلّقنا ذاك المفهوم بات علينا الرجوع إلى المفهوم الكلاسيكيّ الذي يعادل الإمبرياليّة مع توسّع جغرافيّ إمبراطوريّ أو شبه إمبراطوريّ، وهو تحديداً ما تفعله روسيا وإيران في سوريّا. بيد أنّ الفهم هذا يرتّب نتائج كثيرة تختلف عن النتائج التي يرتّبها المفهوم السابق: تصدير الرساميل مثلاً يغدو من شروط الإقلاع الاقتصاديّ للبلد الأضعف، بدل أن يكون نهباً له.
يقال هذا الكلام وفي البال أنّ ثنائيّة إمبرياليّة – لا-إمبرياليّة لا تغطّي إلاّ جزءاً من تناقضات واقعنا في الشرق الأوسط وفي العالم، خصوصاً في ظلّ يقظة الهويّات والقوميّات والإثنيّات على أنواعها، كما في ظلّ استفحالٍ استبداديّ يصعب العثور دائماً على معادله «الإمبرياليّ»، أو على كونه امتداداً له. فوق هذا، يتأدّى عن عدم استكمال القطع مع الوعي القديم نقاش شبيه بالنقاش داخل الخليّة الحزبيّة، أو في «كامبوس» الجامعة، بعيداً من مجريات الحياة الأعرض، كما يغدو الحصول على توقيعٍ يمهره ساحر أكبر من هنا، وساحر أكبر من هناك، شرطاً لشرعيّة الموقف وصوابه. وكلّ من ألفَ التنظيمات غير الديمقراطيّة وانشقاقاتها يعرف كم تكبر الخلافات التي تطال الكلمات وتأويل العبارات التي تفوّه بها مراجع التقليد.
والحال أنّ الذين يدافعون اليوم عن نظام الأسد، وعن إيران وروسيا من ورائه، لا يملكون ما يُغري بوراثة أفكارهم أو بالعمل على انتزاعها منهم، اللهمّ إلاّ إذا كانت وراثة التفليسة سبباً للإغراء. هذا جهد مهدور. أمّا في ما خصّ سوريّا تحديداً، وهي موضوع هذا السجال المتكرّر منذ سنوات، فالكلّ يعرف من أين أتت فكرة الحزب الواحد والجبهة الوطنيّة والزعيم المعبود، ومن الذي بنى أجهزة الأمن والتنصّت والتعذيب، ومن الذي سلّح الجيش والأمن وقدّم العقيدة العسكريّة، ومن الذي حمى النظام في مجلس الأمن مرّةً بعد مرّة. هذا له اسم يعرفه الجميع. من لا يقرّ بذلك لا يضيره الاحتلال الإيرانيّ – الروسيّ لسوريّا. هاجس محاربة الإمبرياليّة هو ما يستولي عليه. هذا حقّه، وحقّه على سواه أن يتركوه مستمتعاً بخلوته مع... الإمبرياليّة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ المساجلات بشأن الإمبرياليّة وسوريّا في ما خصّ المساجلات بشأن الإمبرياليّة وسوريّا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon