توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم؟

  مصر اليوم -

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم

بقلم: حازم صاغية

لم يكونوا قلة أولئك الذين قارنوا بين تعامل الغضب الإسلامي مع فرنسا وتعامله مع الصين وميانمار والهند. في فرنسا، تأدى عن عرض رسوم كاريكاتورية مسلسل إجرام مرفق، في بعض العالم الإسلامي، بتظاهرات احتجاج ودعوات إلى مقاطعة السلع. في الصين وميانمار والهند، يتوزع نظام العقوبات بين معسكرات وسجون وقوانين وأعمال قتل تستهدف المسلمين حصراً. لكن الغضب بقي منخفضاً والتعبير عنه يبقى أشد انخفاضا.
بالتأكيد هناك دور الدول والحكومات التي تحرك هنا ولا تحرك هناك تبعاً لمصالحها ومصالح قادتها. حكومة تركيا هي اليوم الأكثر اتباعاً لهذه السياسة. وربما كان في الأمر أيضاً ما يوصف بحساسية العلاقة الإسلامية – الأوروبية، وهي موضوع معقد ومتشعب ومديد لا يوجد ما يماثله كثافة في علاقة العرب والمسلمين مع الصين والهند وميانمار.
لكن ثمة مسألة أخرى أهم في أغلب الظن. فمنذ إحراق رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» في بريطانيا عام 1989. لم تظهر حركات اعتراضية كبرى، ناهيك عن أعمال عنف، حيال معاملة عنصرية يتعرض لها مسلمون أفراد أو جماعات. لم تظهر مواقف جماهيرية واسعة وحادة حيال تشريعات يمكن أن يتضرر منها مسلمون. الأعمال التي من هذا النوع اقتصرت على كتب ورسومات ومقالات قيل إنها تستهدف الإسلام كدين وعقيدة... إرهابيو 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الذي شكل ذروة الالتحام الحربي بـ«الغرب»، تذرعوا بوجود جنود أميركيين فوق أراضٍ مسلمة، وبمعاناة قالوا إن شعوباً مسلمة تعانيها على أيدي أعداء أبديين، «صليبيين» و«يهود». لكنهم لم يطرحوا مرة أحوال المسلمين الأفراد في مجتمعات مستقرة. لم يملكوا أي خطة سياسية وأي مطلب اقتصادي لصالح أولئك المسلمين. هذا غير وارد أصلاً في تنظيم كـ«القاعدة» ليس الفرد ولا الاستقرار ولا السياسة ولا الاقتصاد من قاموسه. لقد تحول 11 سبتمبر إلى محطة كبرى فيما اعتبر حروب ثقافات وحضارات وهويات، وفي عولمة تلك الحروب.
بمعنى آخر، في ردود الفعل الإسلامية على الغربيين، وعلى فرنسا خصوصاً، طغى المفهوم أو المعتقد أو القضية طغياناً كاملاً على الإنسان أو الجماعة. الإسلام، وفق تأويلهم له، هو الموضوع الأوحد. المسلم ليس موضوعاً على الإطلاق. إسلامهم لا مكان فيه للمسلمين.
شيء كهذا نلقاه في التعامل مع القضية الفلسطينية ومع الإنسان الفلسطيني حيث القضية وحدها مقدسة ووحدها تثير الغضب الجماعي. أبلغ رموز هذه النظرة المسجدُ الأقصى والإصرار اللفظي على الصلاة فيه. حتى ملاحدة القضية تعصف بهم، بين حين وآخر، رغبة الصلاة تحديداً في الأقصى. أما الفلسطيني وكيفية معاملته، في هذا البلد أو ذاك، فليسا مهمين. هكذا مثلاً يغدو نظام كالنظام السوري قابلاً للمديح والتبجيل بسبب موقفه المعلن من القضية. موقفه من الإنسان الفلسطيني، الذي أوغل في قتله واضطهاده، لا يُحسب له حساب.
في ذلك كله نواجه، مرة بعد مرة، ثقافة سياسية متمركزة حول القضية والمفهوم، لا حول الإنسان. تنتفخ القضية ويضمر الإنسان. هذا، بين أمور أخرى، يُضعف الأدوات التي من طريق استخدامها يصار إلى تحسين وضع المسلمين في مجتمعات غربية وديمقراطية. هكذا يقل إعدادهم للعيش فيها عبر إجراءات وسلوكيات مختلفة كرفع نسبة إقبالهم على الانتخابات مثلاً، وما يستتبع ذلك من عقد تحالفات سياسية تؤثر في توازنات القوى وفي التشريع وصنع القرار. وطبعاً لا يقال إلا النزر اليسير مما يتعلق باعتبارات نفعية تطال الهجرة والإقامة والعمل... كل ذلك يقع خارج الاهتمام. إنه هم لا أحدٍ تقريباً.
على هذا النحو تتزايد المسافة بين الفرد المسلم ومجتمعه الأوروبي بينما يغيب الاهتمام بتقصير تلك المسافة. وفي نهاية المطاف، وفي موازاة تفشي الجريمة دفاعاً عن القضية، يتقدم إلى الواجهة سياسيون شعبويون وعنصريون كمارين لوبن، وتحل الطامة الكبرى على المسلمين الأوروبيين... في هذه الغضون نكون قد تحدينا وقاومنا «أعداء الإسلام» وانتصرنا للقضية!
تجد هذه الوجهة نسغاً مُغذياً في نتاج ثقافي شائع لدينا، يركز على «التمثيل» و«تمثيل صورتنا» وكيفية «تغطية الإسلام» في الإعلام الغربي، أو يؤكد على القطيعة الضرورية التي ينبغي أن نقيمها مع التقنية الغربية ومع الاستشراق الغربي، وربما غداً مع الدواء الغربي أيضاً. وفي هذه المعارك الزائفة نحقق «انتصارات» تشبه «الانتصارات الإلهية» التي نحققها في مواجهاتنا العسكرية. ولا ينقص، والحال هذه، إلا «الحرب على الإرهاب» ورُهاب الإسلام اللذان يعاملان المسلمين كلهم كأنهم فرد كي يجعلا المسلم الفرد أقرب إلى مهمة مستحيلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم لكنْ ماذا عن المسلمين أنفسهم



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon