توقيت القاهرة المحلي 16:43:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها!

  مصر اليوم -

محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها

بقلم: حازم صاغية

لم يصل أي طرف سياسي في لبنان إلى درجة الذوبان في السياسة الأميركيّة التي بلغها العونيّون. الذوبان هذا جلب على ميشال عون اتّهامات من دمشق ومن «حزب الله» بـ«العمالة»، لا لواشنطن فحسب، بل لتلّ أبيب أيضاً. منفاه الفرنسي يومذاك فُرض عليه الحَرْم وبات يُعدّ واحداً من أوكار الشيطان.
ما بين عون والإدارة الأميركيّة، بعد الجفاء الذي أعقب هزيمته ونفيه، بات يشبه الحبّ الصوفي غير المسبوق: السياسيون اللبنانيّون الآخرون من ذوي الهوى الغربي لم يصلوا إلى هذا الحدّ الأميركي المطلق: كميل شمعون كان يمرّ بلندن إلى واشنطن، ورفيق الحريري كان يمرّ بباريس إليها، والاثنان كانت لديهما علاقات ومصالح عربيّة يحرصان عليها، في بغداد وعمّان والرياض والقاهرة ودمشق. بشير الجميّل، في المقابل، سلك طريقاً آخر: كان يوصف بـ«الإسرائيليّة»، وفقط في أيّام حياته الأخيرة صار يوصف بـ«الأميركيّة». أمّا عون والعونيّة فذوبانهما في واشنطن استمرّ أكثر من عقد، ما بين أوائل التسعينات وعام 2005. لقد كان خطّاً بلا تقطّع ولا ارتجاج.
منذ 2005 بدأت تختلف الأمور مع تحالف العونيين و«حزب الله» في مار مخايل، واستطراداً تحالفهم مع نظامي دمشق وطهران. الاختلاف تأدّى عنه، قبل أيّام، فرض الإدارة الأميركيّة عقوبات على جبران باسيل، رئيس التيّار العونيّ. إنّها عقوبات لم يُفرض مثلها على أي زعيم سياسي آخر في لبنان. نبيه برّي وسليمان فرنجيّة عوقب معاوناهما، لا هُما.
معلّقون وكتّاب سارعوا إلى التفسير، وكانوا مُحقّين على الأرجح: لقد سُدّت طريق باسيل إلى رئاسة الجمهوريّة. الأمر بدا بمثابة انتحار، خصوصاً أنّ التراجع عنه، في ظلّ إدارة جو بايدن الجديدة، ليس محسوماً، وحتّى لو كان كذلك فلن يكون سهلاً وبلا عُقد.
ما حصل أنّ الولايات المتّحدة، في ظلّ دونالد ترمب، ذهبت أبعد كثيراً من المألوف الأميركي في التصدّي للنفوذ الإيرانيّ، فيما ذهب باسيل وتيّاره أبعد كثيراً من المألوف المسيحي اللبناني في الوجهة المعاكسة، أي في التحالف مع هذا النفوذ نفسه. المسافة باتت أبعد، والغضب على خيانة العاشق أكبر منه على أي خلاف يأتي من طرف آخر.
أكثر من هذا: العونيّة لم تكتف بالاختلاف، بل أسّست لتقاليد سياسيّة جذريّة في بيئة المسيحيين اللبنانيين مناهِضة للغرب ولأميركا خصوصاً. في هذا كان تشاطُرها يقتلها: افتراض تحسين موقعها حيال المعشوق بافتعال غرام موازٍ بمعشوق آخر. هذا السلوك انطوى على شيء من الفهلَوَة القرويّة اللبنانيّة التي تبالغ في تقدير أهميّتها وفي تقدير موقعها التفاوضيّ، لكنّه نمّ أيضاً عن جهل فادح بالعالم. إنّه رهان على تميّز مطلق لا يُفقده تطرّفُه البالغ قدرتَه التفاوضيّة، وهو تميّزٌ ناجم عن وهم التمايز النرجسي الذي لا يسعفه الواقع بالبراهين. على الجهة المقابلة، معركة واشنطن وطهران حول الملفّ النووي باتت لا تحتمل الموقع المائع، دع جانباً الموقع المنحاز. دونالد ترمب، بدوره، واجه نرجسيّة الريفيّة اللبنانيّة بنرجسيّة الريفيّة العالميّة. اللحاق بترمب، وهو النرجس شخصيّاً، صعب دائماً.
زاد في سخافة السلوك العوني – الباسيلي افتقاره إلى أي مبدئيّة وأي تبرير يقنعان الأطفال: كان واضحاً في كلّ لحظة أنّ الهوى العميق أميركيّ. كان واضحاً في كلّ لحظة أنّ «حزب الله» والمقاومة وطهران لا يثيرون أي عاطفة فعليّة عند العونيين. المتعاونون مع إسرائيل كان جلّهم من بيئة هذا التيّار. الحرص المزعوم على وحدة اللبنانيين رافقه الاستياء من إقامة مواطنين شيعة في مناطق ذات أكثريّة مسيحيّة وتوجّه عونيّ... السفيرة الأميركيّة في بيروت دوروثي شيا كشفت عن أنّ باسيل «أعرب عن الاستعداد للانفصال عن (حزب الله) بشروط معيّنة». ما من سبب لعدم التصديق.
في المقابل، لم تفلح سنوات العهد العوني في تثقيل الموقع التفاوضي حيال المعشوق الأصليّ، أي الولايات المتّحدة. «الحكم القويّ» أسفر عن أضعف حكم في التاريخ القصير لهذا البلد. «فضيلة» تصعيد العنصريّة ضدّ اللاجئين السوريين درّت من الشعبيّة أقلّ كثيراً مما استنزفته سنوات العهد التعيس. شتائم الشارع لباسيل فاقت الشتائم التي طالت سائر السياسيين المشتومين. وأخيراً، جاء انفجار مرفأ بيروت ليكرّس وضعيّته كقيّم على أعمال نظام مجرم بحقّ اللبنانيين، خصوصاً منهم المسيحيين المقيمين في محيط المرفأ.
التشاطُر بات قاتلاً لصاحبه. لعبُ دور الضحيّة لا ينفع هنا كثيراً، كما لا ينفع التشبّه بأوروبا أو بالبيئة أو بالمحيط الأطلسي أو بالصين أو بإيران. هؤلاء المتضرّرون من دونالد ترمب والمراهنون على جو بايدن إمّا يملكون ما يقايضون به وإمّا يملكون ما يُدافَع عنه. جبران باسيل بالمقارنة، وزنه ضعيف جداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر

GMT 23:35 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

بورصة تونس تقفل التعاملات على تراجع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon