توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن طريقة الحياة الجديدة في لبنان!

  مصر اليوم -

 عن طريقة الحياة الجديدة في لبنان

بقلم: حازم صاغية

كانت طريقة الحياة اللبنانيَّة من أكثر ما يقرّب بين اللبنانيّين. هذا ما كانَ يحصل قبل حرب 1975. فإلى جانب تمدُّد الدولة عبرَ توسيع البنية التحتيّة والخدمات، راحت تجمع بينهم الأغنية والصحافة والمطبخ وبعض العادات وتعليم، ليس قليل الرداءة، لفهم التاريخ، أو التعرُّف إلى الأمكنة.
طريقة الحياة هذه، بقيمها ومثالاتها، بدت متفائلة، ولو بشيء من الخفَّة، إلَّا أنَّها كانت تدمج وتقرّب بين الآتين من متصرّفيَّة جبل لبنان، والآتين من مناطق الأطراف. بين المسيحيّين على تعدُّدهم والمسلمين على تعدُّدهم. بيروت، الناهضة حينذاك، كانت تلعب دور الجسر، وأحياناً دور المصنع.
قبل ذلك، وبإهدائهم دولة إلى اللبنانيّين، أسدى الفرنسيُّون خدمة جليلة هي: النموذج الفرنسيّ، أي تقديم الدولة على الأمّة. هذا ما كان يناقض النموذج الألماني الذي أخذَ به كارهو الدولة اللبنانيّة، والذي يقدّم الأمَّة على الدولة. الأخيرون قالوا: فلنهدم الدولة القائمة كي نبني الأمَّة الموعودة. الدَّمُ لاح في الأفق. الأوَّلون قالوا: فلنطوّر الدولة القائمة بحيث تصبح هي نفسها أمَّة تطابقها.
في هذا التطوير، الذي لم يخلُ من شوائبَ ونواقص، احتلّت طريقة الحياة المتفائلة موقعاً مركزيّاً. لكنْ بالتضامن بين السذاجة التي انطوت عليها طريقة الحياة المتفائلة تلك، والشرّ المقيم في أعدائها، الراغبين في هدمها، بدأت طريقة الحياة المذكورة تختلّ. الاختلال قطع مراحل عدَّة كانت تبدو عابرة، لكنَّ الشهر المنقضي بدا شيئاً آخر: لقد حلَّت طريقة حياة مختلفة بالكامل. انفجار المرفأ الرهيب وضعنا على تخوم الموت الكيماويّ. وحدات حياتنا وكلامنا صارت: نِترات الأمونيوم. الزجاج. الحديد. الدخان... ناقشنا أيضاً قوّة الصوت ومدى انقشاع الرؤية وصعوبات التنفّس. بدل التفاؤل القديم، صار الجحيم استعارتنا.
هنا، لا بأس بالتذكير بأنّنا اكتشفنا، للمرّة الأولى، هذه «السياسة» وهذا القاموس مع تعبير «تخصيب اليورانيوم» الإيرانيّ. الأمر ليس صدفة، فالوقوع بين إيران وإسرائيل، وفي صحبة «حزب الله»، يعني أنّ الموادّ الأوّليّة لحياتنا ستغدو حديداً وزجاجاً ويورانيوم وأمونيوم.
لكنّ ما بدأ بالانفجار وجد ملحقه في حريق ضخم شكّك البعض في أن لا يكون بريئاً. لقد تساءلوا: هل نشب الحريق لمحو معالم تتعلّق بالانفجار الأصليّ، خصوصاً مع تجاهل مطلب التحقيق الدوليّ؟
بين الانفجار والحريق، وبينما المصارف تصادر مدَّخرات اللبنانيّين، شهدنا معركة خلدة بين طائفتين، واشتباك الطريق الجديدة داخل الطائفة الواحدة والبيت الواحد. الموت إذن قد يداهمنا من أي مكان، وفي أيّ لحظة، ما دامت الدولة على هذه الدرجة من الانحطاط والمجتمع على هذه الدرجة من التفتّت. في هذه الغضون، كانت البلادة في رفع الأنقاض عن ضحايا انفجار المرفأ المفقودين تعمّم مشهد الموت وتُضعف الرهان على مقاومته. الموت كمفهوم صار يُحسَب بالجثث.
فكرة الأمان غدت تحتلّ موقع القلب في الحياة اليوميّة للأفراد والجماعات. إنّها علاقة عارية بالطبيعة التي عبدها البشر البدائيّون اتّقاءً لشرّها. آلهة الموت يهاجمون من كلّ مكان: من المرفأ المطلّ على العالم ولكنْ أيضاً من الداخل المنكفئ على نفسه. الجوّ تسيطر عليه الطائرات الإسرائيليّة المسيّرة.
المهاجرون يتزايدون. طالبو الهجرة يتزايدون. حديث الهجرة ومعاناة الترك يثيران، أيضاً وأيضاً، أسئلة من عيار طبيعيّ: الاقتلاع، البداية من صفر، المغامرة، المعاناة... «قوارب الموت» تظهر للمرّة الأولى في التاريخ اللبناني الحديث.
في هذه المعمعة وصلنا زائر لا يُستغنى عن زيارته: السيّد إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس».
لبنانيّون كثيرون كانوا قد يئسوا من وصول المستثمرين والسيّاح، لكنّهم، في المقابل، لم تذهب بهم المخيّلة إلى هذا الحدّ: تلويح الزائر الفاضل بالصواريخ - الصواريخ التي لا تكتمل من دونها منظومة الأمونيوم واليورانيوم و«قوارب الموت».
هنيّة دخل إلى بلد يُمنع من دخوله مثقّفون وفنّانون فلسطينيّون بحجّة «مقاومة التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ»، ويعاني فلسطينيّوه أكثر ممّا يعانيه لبنانيّوه على يد «سلطة مقاومة». هذا ليس مهمّاً في عرف القائد الحمساوي الذي يحكم غزّة على نحو لا يشتهيه العدوّ لعدوّه. ما يعرفه هنيّة أنّ طريقة الحياة اللبنانيّة الجديدة غيّرت اسم البلد من لبنان إلى مجرّد رقعة لمقاتلة إسرائيل. وهو لا بدّ تأكّد من ذلك حين استشار في الأمر مُضيفه الأمين العام لـ«حزب الله».
والاثنان، مدعومان بقوّة الموت، بالأمونيوم واليورانيوم و«قوارب الموت»، وبالصواريخ طبعاً، هما على حقّ. هذا ما يبدو حتّى إشعار آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن طريقة الحياة الجديدة في لبنان  عن طريقة الحياة الجديدة في لبنان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon