توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أي مقاومين في لبنان: الغضب الذي يغدو لطماً

  مصر اليوم -

أي مقاومين في لبنان الغضب الذي يغدو لطماً

بقلم: حازم صاغية

إذا كانت الطوائف اللبنانيّة قد انسحبت تباعاً -كلٌّ منها بطريقته- من محاربة إسرائيل، فماذا عن أفراد على هوامش الطوائف؟
لقد وُجد دائماً هؤلاء الداعون إلى الحرب لأسباب شتّى: بعضها عقائدي مصدره التأثّر بالرواية القوميّة - الإسلاميّة لتاريخ المشرق، مصحوباً برفض الانتهاكات والفظائع الإسرائيليّة حيال الفلسطينيين؛ بعضها يتّصل بهامشيّة أولئك الأفراد حيال نظام الطوائف، والرغبة في اختراقه من خارجه؛ بعضها على صلة باليفاعة، بما فيها من حبّ للتجريب ورغبة في كسر المألوف وركوب الخطر.
كونهم خارج الطوائف لا يعني أنّهم خارج الطائفيّة، إنْ على نحو مباشر أو مداور. فأكثريّة هؤلاء ممن هم مسلمون أدّت القضيّة القوميّة، والبند الفلسطيني منها خصوصاً، إلى تحديث ولاءاتها الأهليّة الموروثة، كما وفّرت لها عنواناً آيديولوجياً لاستئناف الصراع مع «الهيمنة المارونيّة». أمّا أقلّيّتهم من المسيحيين، فشاءت كسر أقلّيّتها والاندماج فيما توهّمتْه «جماهير عريضة» حابلها يضيع في نابلها.
على العموم، عثر أغلب هؤلاء على طريقهم إلى الشأن العامّ في أحزاب عقائديّة وشبه عقائديّة، لكنّهم -هم وأحزابهم- كانوا في المنعطفات الكبرى ينضوون وراء زعماء الطوائف: في 1958، وراء صائب سلام الذي تزعّم المعارضة لكميل شمعون، باستثناء القوميين السوريين الذين انضووا وراء شمعون عهدذاك؛ وفي حرب السنتين (1975-6)، وراء كمال جنبلاط الذي وسّع الطائفة الدرزيّة الصغرى، وضاعف نفوذها عبر ضمّ المحيط الحزبي والعقائدي إليها؛ ثمّ منذ التسعينات، وراء «حزب الله» وراعييه الإيرانيّ والسوريّ.
في تشكيل تلك الأحزاب أوعية للشبّان المولعين بفكرة القتال، كانت «حركة القوميين العرب» الأهمّ. فهي، بسبب أصولها الفلسطينيّة، ومركزيّة «الثأر» من إسرائيل في عقيدتها، بدت الأشدّ احتواء لهذا التوق وتعبيراً عنه. حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي اتّسعت بيئتهما للمطالبة بقتال إسرائيل. «اليسار الجديد»، لا سيّما جناحه الماوي الذي انتهى أغلبه في حركة «فتح»، عصف به هوى القتال والمقاومة. التنظيمات الناصريّة الصغرى في المدن السنّيّة، لا سيّما بيروت، قالت أيضاً إنّ محاربة إسرائيل في رأس أهدافها. إبّان الحرب الأهليّة، أنعشت «فتح» معظم هذه التنظيمات تمويلاً وتسليحاً.
الحزب الشيوعي اللبنانيّ، في المقابل، لم يكن مهجوساً بهذه المسألة. فقط في أواخر الستينات، مع فورة التنظيمات الفلسطينيّة المسلّحة، وفي ظلّ «الانفتاح على المسألة القوميّة»، أنشأ شيوعيّو المشرق العربي منظّمة «قوّات الأنصار» للأحزاب الشيوعيّة الأربعة، اللبناني والسوري والأردني والعراقي. أُعلن عن هذه الولادة في 1970. ومذّاك، لم يُعلَن شيء عن المولود. منظّمة التحرير الفلسطينيّة كانت معنيّة بتأمين السلاح والدعم السوفياتيين أكثر كثيراً مما بقتال الشيوعيين العرب في صفوفها.
بعد الاجتياح الإسرائيلي في 1982، قاتل شيوعيّو الحزب و«منظّمة العمل» مقاومين للغزو. أنشأوا «جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة» التي، وبعد عمليّات متواضعة، صفّاها «حزب الله». مذّاك، أقفل هذا الأخير المقاومة بشمع أحمر غليظ.
اليوم، وبعد مدّ وجزر كثيرين، ماذا نجد؟
تلك الأحزاب إمّا اندثرت أو أنّها على طريق الاندثار: «حركة القوميين العرب» صارت تاريخاً، ورثتها أحزاب وجبهات تبخّر بعضها وبعضها يتبخّر. حزب البعث أنشأ سوريّوه «منظّمة الصاعقة»، وعراقيّوه «جبهة التحرير العربيّة» لقتال إسرائيل، لكنّ الجبهتين ربطتا قتالهما المتقطّع «المدروس» بمصالح الحكمين البعثيين، قبل أن تختفي الجبهتان. السوريّون القوميّون الذين بقوا على قيد الحياة، بقدرة النظام السوري وأجهزته، تشقّقوا تنظيمات عدّة تستغرقها همومها التنظيميّة وطموحات قادتها. «اليساريّون الجدد» باتوا ضالعين في القِدَم، وماويّو «فتح» إمّا اعتنقوا الإسلام الخميني أو التزموا بيوتهم. ناصريّو المدن قضت «حركة أمل» على بعضهم، وامتصّ رفيق الحريري بعضهم، وجفّف انقطاع العائدات الماليّة والتسليحيّة بعضهم الثالث.
وجميع هؤلاء كبرت أعمارهم. الآباء منهم أنجبوا أبناء ليسوا في وارد القتال، أي قتال كان. كثيرون منهم كانوا في ساحات ثورة 17 تشرين يهتفون ضدّ السلاح، ولولا الخوف من «حزب الله» لجاء هتافهم أعلى وأوضح.
«المقاومون» الذين تبقّوا آباء بلا ورثة، وأفراد غاضبون يُعَدّون بالمئات القليلة، ويريدون لغيرهم أن ينفّذ رغبتهم في الحرب. وهي، فوق هذا، حرب بلا اتّحاد سوفياتي، وبلا جمال عبد الناصر، وبلا مصر وبلا سوريّا وبلا عراق وبلا ليبيا، وبلا ثورة فلسطينيّة، وبلا طائفة محلّيّة داعمة، وبلا دعم مالي خليجي أو عراقي أو ليبيّ... وأيضاً، ومؤخّراً، قد يُطرد «المقاومون» هؤلاء من امتياز التبعيّة لـ«حزب الله» وإيران المنشغلَين بأمور أخرى.
الغاضبون اللبنانيّون ينتهون اليوم لطّامين. صوت اللطم، المرفق بذمّ الزمن، بات مسموعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقالات بعض الصحف. لكنّ ما لم يستطعه الغضب لن يستطيعه اللطم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي مقاومين في لبنان الغضب الذي يغدو لطماً أي مقاومين في لبنان الغضب الذي يغدو لطماً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon