توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

  مصر اليوم -

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً

بقلم: حازم صاغية

في خطابه الأخير رأى حسن نصر الله أنّ المقاومة والصواريخ التي عزّزتها بها إيران وسوريّا هي التي جعلت العالم كلّه يهتمّ بلبنان ويأخذه في حسابه. هي التي وضعت لبنان على خريطة العالم.
النبرة فيها تأسيسٌ من صفر لشيء لم يوجد قبلاً. هذا القرن المنصرم من عمر لبنان لم يشهد ما يستحقّ أن يُذكر إلى أن جاء «حزب الله». البلد وأهله لم يفعلوا شيئاً يستحقّ اهتمام العالم. الحزب هو الذي فعل.
صحيح. لكنْ بأيّ معنى؟
لنتخيّل لوهلة بيتاً لا يصدر عنه إلاّ صراخ متواصل في كلّ اتّجاه لأنّ صاحب البيت يعنّف يوميّاً زوجته ويعذّب أطفاله. هذا البيت لا بدّ أن يثير اهتمام جيرانه جميعاً. إمّا قلقاً على الزوجة والأطفال، أو انزعاجاً من الصراخ، أو تفكيراً في تخليص الضحايا من هذه المعاناة الرهيبة، أو لكلّ تلك الاعتبارات معاً، يجذب البيت المذكور انتباهاً لا تجذبه البيوت المستقرّة الأخرى.
هنا، في هذا البيت، قد تحصل أشياء غريبة وغامضة، كقتل الزوجة، أو موت الطفل بسبب ضربة على الرأس، أو إحراق المنزل نفسه. إنّها مُصغّر الأشياء التي تحصل في الوطن اللبنانيّ وتستدعي الاهتمام الاستثنائيّ: مثلاً، يحدث انفجار شبه نوويّ في مرفأ بيروت. يعلن طرف إيرانيّ أنّ لبنان جبهة أماميّة في معارك طهران. يمتلك أحد الأحزاب صواريخ لا تمتلكها الدول. تقام التماثيل لقائد إيرانيّ من غير أن يؤخذ رأي الهيئات المحلّيّة بالأمر. يمارس جيش غير شرعيّ مهمّات احتلاليّة في بلد آخر...
أشياء كهذه مثيرة جدّاً، ولافتة لانتباه العالم كلّه بطبيعة الحال. إنّها تركّز على لبنان الصغير أضواءً قد لا يحظى بمثلها بلد في حجم الصين.
والحال أن هذا النوع من الاهتمام بنا ليس جديداً بالكامل، بل له سوابق تأسيسيّة: قبل ثلث قرن مثلاً، حين كان شبّان منّا يخطفون مواطنين غربيّين وروساً ثمّ يحتجزونهم في الضاحية الجنوبيّة من بيروت كي يدعّموا موقف إيران التفاوضيّ حيال الولايات المتّحدة ودول أوروبا. قبل نصف قرن كذلك، حيث شملنا بعطفه اهتمام من هذا النوع، حين كان شبّان منّا ينطلقون من مطار بيروت كي يخطفوا طائرات مدنيّة... آنذاك كانت أخبار بلدنا تتصدّر وسائل الإعلام العالميّ. كانت فنادق بيروت الكثيرة لا تتّسع لصحافيّين غربيّين وشرقيّين يزوروننا لـ«تغطية أحداثنا الكبرى».
أنظار العالم، والحال هذه، تتّجه إلينا وتهتمّ بنا تبعاً للمنطق نفسه الذي يدفعها إلى الاهتمام بكيم جونغ أون في كوريا الشماليّة حين يداعب صواريخه وتجاربه النوويّة. ولنلاحظ، بالمناسبة، أنّ «الصاروخ» – بوصفه البديل عن الرفاه والدواء والكتاب – عنصر مشترك بين أطراف الأمميّة الهائجة في شتّى بقاع الأرض.
هو إذن اهتمام بالغريب واللامتوقّع وغير المألوف والخطير في آن معاً.
لقد ظلّ حافظ الأسد وصدّام حسين ومعمّر القذّافي يثيرون اهتمام العالم ويضعون بلدانهم على خريطة العالم، بمعنى شبيه بما يقصده نصر الله، وبما يفعله كيم، إلى أن انتهى الأمر ببلدانهم على شفير الفناء. قبل حافظ وصدّام ومعمّر، ظلّ جمال عبد الناصر «يرفع رأس العرب»، وفق تعبير شائع، إلى أن أصاب هذا الرأس ما أصابه في 67.
أغلب الظنّ أنّ أكثريّة اللبنانيّين تُفضّل ألا تحظى باهتمام كهذا. ألا تنوجد على هذه الصورة فوق خريطة العالم. النسيان والتجاهل أفضل بلا قياس.
أغلب الظنّ أيضاً أنّ هذه الأكثريّة تفضّل اهتماماً آخر بها: أن يهتمّ بنا العالم لأنّنا، مثلاً، طوّرنا نظاماً ديمقراطيّاً يحرم إسرائيل من أن تكون «الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط». أو لأنّنا طوّرنا اقتصاداً متطوّراً أو تعليماً متقدّماً. أو لأنّنا بتنا نملك براءات اختراع. أو لأنّنا ننتج أعمالاً فنّيّة أو ثقافيّة تواكب الإنتاج الكونيّ وتنافس فيه.
في أمور كهذه لم يعد لبنان اليوم يثير اهتمام أحد في العالم.
لماذا؟ لأنّنا ضحّينا بهذا كلّه على مذبح الصاروخ. لأنّنا ألغينا كلّ ما أُسّس من قبل، وهو كثير وغنيّ ومتنوّع وإن كان متفاوتاً، وأعدنا تأسيس البلد كمنصّة صواريخ.
هنا لا بأس بملاحظة هذه المفارقة الباهرة التي انتهينا إليها في ظلّ الوعي الصاروخيّ الذي بات يحكمنا: بينما يتحرّق اللبنانيّون للحصول على دولارات يؤدّي نضوبها إلى فقرهم المدقع، وعلى لقاحات لـ«كورونا»، ومعظمُ اللقاحات من البلدان الغربيّة، في هذا الوقت بالذات يطرح أمين عامّ «حزب الله» ورفاقه في إيران والعراق شعار «إخراج أميركا من المنطقة».
ما يزيد البؤس بؤساً ليس فقط أنّ إيران هي التي ستستفيد من هذا الشعار المُعدّ أصلاً لخدمتها، بل أيضاً أنّ الشعار مصنوع لأيّام معدودة فحسب هي التي تفصلنا عن تولّي جو بايدن سدّة الرئاسة الأميركيّة.
لقد بات استرخاصنا كبيراً جدّاً، في ظلّ هذا الاهتمام بنا الذي يقضّ مضاجع العالم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon