توقيت القاهرة المحلي 08:42:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أين تقع «نكبة» 48؟

  مصر اليوم -

أين تقع «نكبة» 48

بقلم : حازم صاغية

 «نكبة» 1948 التي تحلّ ذكراها اليوم، أين تقع؟ في الماضي، كما يقول ضمناً معظم الإسرائيليّين، أم في المستقبل، كما يقول ضمناً كثيرون من الفلسطينيّين والعرب؟

إنّها تقع في الإثنين:

في الماضي: لأنّ أجيالاً من الإسرائيليّين وُلدوا هناك، ولا يعرفون غير هذه الأرض. أمّا إعادتهم إلى حيث جاؤوا، أو إخضاعهم لحكم عربيّ، لا سيّما في زمن انفجار الهويّات، فأشبهُ بأفلام الخيال العلميّ. وهي أيضاً تقع في الماضي لأنّ أجيالاً من الفلسطينيّين ولدوا في بلدان أخرى وصاروا جزءاً منها أكثر ممّا هم جزء من فلسطين.

لقد نشأت إسرائيل في الحقبة التي قامت فيها الاستقلالات العربيّة. ولأسباب كثيرة، بدا أنّ الحدثين متناقضان: إمّا أو... اليوم للأسف تبدو النشأة الإسرائيليّة أمتن كثيراً من الاستقلالات العربيّة ودولها. المتانة ليست في القوّة العسكريّة فحسب. إنّها أيضاً في الديموقراطيّة والاقتصاد والتعليم.

لكنّ «النكبة» تقع في المستقبل أيضاً (وكلمة مستقبل ليست مضيئة بالضرورة): فما دامت إسرائيل لا تعترف بـ «النكبة» ولا تناقشها، رافضةً أن تسدّد دَينها الأخلاقيّ والسياسيّ للفلسطينيّين الذين اقتلعتهم وهجّرتهم، ولأنّها تعيق إنشاء دولة فلسطينيّة، فهذا ما يبقي الموضوع مطروحاً على أجندة المستقبل. في الاتّجاه نفسه يصبّ تعليق أوضاع الفلسطينيّين في الدول العربيّة التي لجأوا إليها. الأنظمة وكذلك المجتمعات تُبقيهم «فلسطينيّين» وتضلّلهم بـ «العودة» لأنّها لا تريدهم مواطنين فيها.

انهيار أوسلو ومسار التدهور اللاحق دفعا كلّاً من الروايتين إلى حدودها القصوى.

القائلون إنّها ماضٍ ونقطة على السطر، مارسوا اللصوصيّة والاحتيال. لقد أجلسوا «الاستقلال الإسرائيليّ» فوق الجثّة الفلسطينيّة المحجوبة. «الاستقلال» هذا قُدّم كقطْع مع تاريخ العذاب اليهوديّ فحسب، وكإقلاع إلى مستقبل نظيف. أمّا أن يكون بدايةً للعذاب الفلسطينيّ فهذا ممنوع. خرافة أرض اليهود ووعد الله نقلت المونولوغ الإسرائيليّ إلى سويّة المقدّس. الفلسطينيّون، في هذا المونولوغ، أتوا من عدمٍ ولم يحضروا إلاّ كشغَب على مشيئة الله.

القائلون إنّ «النكبة» مستقبل ونقطة على السطر، واجهوا خرافة «أرض اليهود» بخرافات من نوع «إسرائيل مخفر إمبرياليّ». تجربة الألم اليهوديّ في أوروبا تقلّصت، والحال هذه، إلى شيء يتراوح بين كذبة صهيونيّة ملفّقة (كما يقول اللاساميّون العرب) ووظيفة توظيف صهيونيّين (كما يقول الذين يدينون اللاساميّة). لقد أُسبغت كلّ النعوت على قيام إسرائيل بما يجعله حدثاً فريداً. وككلّ شيء فريد، لا بدّ من حلّ فريد له، فريدٍ إلى حدّ يستحيل معه الحلّ. الأنظمة العسكريّة – القوميّة فعلت فعلها في تعميم هذا «التحليل» لغرض في نفسها هو تحويل الأنظار عن هزال شرعيّتها. هكذا تبلورت «قضيّة» تشبه الثأر العشائريّ الذي لا سبيل إلى معالجته، لا بالسياسة يُعالَج ولا بالحرب.

إسرائيل، بنتيجة الاكتفاء بنظريّة «الماضي وحده»، طوّرت آثامَ ولادتها قسوةً وتنضيباً للروح والوجدان. العرب الذين تسمّروا عند نظريّة «المستقبل وحده» لم يحلقوا لُحاهم في انتظار أن يثأروا. الثأر لم يتحقّق واللحى طالت.

بعد سبعين عاماً، وفي صراع الماضي المطلق والمستقبل المطلق، يُخشى أن تخرج «النكبة» من التاريخ. القداسة وحدها جاهزة لإيوائها، والقداسة، على الأرض، خلطة من حقد ووحل ودم.

نقلا عن الحياة الندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين تقع «نكبة» 48 أين تقع «نكبة» 48



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon