توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: حدّ أدنى سياسيّ وحدّ أقصى حياتيّ

  مصر اليوم -

لبنان حدّ أدنى سياسيّ وحدّ أقصى حياتيّ

بقلم: حازم صاغية

إذا جاز وصف الوضع اللبنانيّ على شكل صورة، فالصورة الأدقّ قد تكون التالية:
عائلة من أربعة أفراد أو خمسة تعيش في بيت واحد، لكنّ أحد أفرادها يملك مسدّساً يزيّته ويتلاعب به في أوقات «الاستقرار» والهدوء، وفي أوقات التوتّر يوجّهه إلى رؤوس الأفراد الآخرين بحيث يهدأون ويحلّ «الاستقرار» مجدّداً. في ظلّ سلطة الأمر الواقع هذه، ينهار كلّ شيء: الاقتصاد، الأمن، القضاء، الحياة السياسيّة، العلاقة بالعالم الخارجيّ... البيت نفسه تتصدّع أركانه ويغدو معرّضاً للانهيار، خصوصاً وقد استهدفه انفجار شبه نوويّ. مع هذا يبقى ممنوعاً على أفراد البيت الاستنجاد بالجيران بعدما استحال عليهم، مجتمعين ومنفردين، ومرّةً بعد مرّة، إنجاد أنفسهم. لكنْ ردّاً على مطلب الاستنجاد بالجيران، يرفع صاحب المسدّس حجّة أخرى: نحن وأنتم بألف خير فلماذا تتذمّرون. إنّنا نقاوم. ألا يكفينا هذا مجداً وكرامةً؟ وهو بالطبع يشتم الجيران ويحمّلهم مسؤوليّة البلاء الذي يضرب البيت وأهله.
هذه الحجّة يرفعها صاحبها إلى مصاف القداسة، متّهماً رافضيها بالخيانة والمروق. لكنّ باقي أفراد البيت لا يرون فيها سوى أنّها السبب الرئيس في جوعهم وقهرهم وفي تحكّمه بهم. إنّهم واثقون من أنّهم بدون تلك المقاومة يحرزون، فضلاً عن كلّ المكاسب الماديّة المحتملة، مجداً وكرامة أكثر حقيقيّةً وصلابةً. القداسة التي يسبغها صاحب المسدّس على مسدّسه تبدو لهم كذبة بائخة.
الصورة المرسومة أعلاه تقول إنّ أكثريّة كبرى من اللبنانيّين تعاني مأساة حياتيّة، أو وجوديّة، في حدّها الأقصى. ربع هذه المأساة كافٍ لإحداث تغيير سياسيّ كامل. مع هذا فاحتمال التغيير السياسيّ لا يتعدّى الحدّ الأدنى.
علامات هذا التباين كثيرة أهمّها: انهيار ثورة تشرين الذي قضى على أمل الردّ الوطنيّ العابر للطوائف، والعودة تدريجاً ومداورة، بسبب الانهيار المذكور، إلى ما يشبه ثنائيّة 8 و14 آذار. ولأنّ قوّة الطوائف ما يفسّر هذه التطوّرات، كان لا بدّ أن تتصدّى للمهمّة قوّة هي بالتعريف طائفيّة. إنّها الكنيسة المارونيّة التي، كعادتها في المنعطفات الكبرى، تتصدّى للمهمّات الصعبة.
هذا التحوّل، الذي فرضه الواقع نفسه، صوّب بعض المسائل، وإن أعلن إغلاق مسائل أخرى. فالحدث الذي شهدته بكركي، يوم السبت الماضي، قال إنّ بتّ أمر السلاح والنزاع الإقليميّ ونفوذ إيران خصوصاً هو المدخل الحتميّ الوحيد لمقاربة أيّ إصلاح آخر. هذا ما مُنعت ثورة تشرين من قوله. الحدث نفسه أعلن أيضاً أنّ مسيحيّي ميشال عون كانوا مخطئين حين غطّوا سياسات «حزب الله» وسلاحه وحربه في سوريّا، ممهّداً لتعرية عون من قاعدته المسيحيّة وتعرية «حزب الله» من غطائه المسيحيّ. وهو أعاد وضع لبنان على الخريطة بوصفه بلداً مهدّداً بالموت، بحاجة إلى تدخّل خارجيّ ينقذه.
في الظرف الحاليّ ليس هناك مَن هو أكثر تأهيلاً وأكثر استعداداً من الكنيسة المارونيّة للعب هذا الدور. الذين يرفضون ذلك انطلاقاً من رفضهم تدخّل رجال الدين في السياسة، يرفضون دور الكنيسة البولنديّة في قيادة البولنديّين إلى الحرّيّة، ودور الكنيسة الإيرلنديّة في قيادة الإيرلنديّين إلى الاستقلال... أسوأ منهم، كما أشار أكثر من مراقب، هم من يتذرّعون بالعلمانيّة للاحتجاج على دور بكركي فيما يسيرون وراء حزب دينيّ وطائفيّ في وقت واحد، هو «حزب الله».
لكنْ بسبب طبيعتها ككنيسة، فهذا ما يرسم خطّاً واضحاً: إنّ التغيير الجذريّ الذي حلم به بعض الشبّان والشابات ليس على الطاولة. صحيح أنّ أمر السلاح مدخل للمسائل الأخرى، لكنّه مدخل قد يتطلّب من الجهد والوقت والتضحيات ما لا يترك أيّة طاقة لسواه من المسائل. ضعف الاستجابة الدوليّة، الذي يتوقّعه كثيرون، سيعقّد الأمور كثيراً. سرعة الاستجابة الدوليّة ستفعل الشيء نفسه.
في هذه الغضون قد لا نسمع صوتاً واحداً وقويّاً تندمج فيه المآسي جميعاً، وآخرها مأساة طرابلس وإعدام لقمان سليم، أو يقترن فيه التوكيد على الوطنيّة اللبنانيّة ورفض العنصريّة حيال «السوريّ» و«الفلسطينيّ». هذه المطالب تبدو الآن كماليّة للأسف.
هذا الوضع يبقى قابلاً لعلاج جزئيّ، متقدّم في السياسة ومحافظ في الاجتماع، هو أن تبادر الطوائف والجماعات الأخرى إلى ملاقاة البطريرك الراعي في منتصف الطريق، وهو ما سبق أن حصل في 2000 – 2005 حين ضمّ وليد جنبلاط ثمّ رفيق الحريري صوتيهما إلى صوت البطريرك صفير. لكنّ علاجاً كهذا ربّما مهّد، رغم جزئيّته، لمواجهة قد يصعب تجنّبها تطال طبيعة البلد واستمراره نفسهما. أمّا أبناء العائلة التي يُصوَّب المسدّس إلى رؤوسهم فباتوا على أتمّ الاستعداد لأن يقولوا: لِمَ لا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان حدّ أدنى سياسيّ وحدّ أقصى حياتيّ لبنان حدّ أدنى سياسيّ وحدّ أقصى حياتيّ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon