توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هامش ترامبي: الحنين مقابل الأمل

  مصر اليوم -

هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل

بقلم : حازم صاغية

لئن كشف انتخاب دونالد ترامب عن الضعف الذي بات يعانيه اليوم النظام الديموقراطي، بل الحضارة الديموقراطية، فإن خطبتي هيلاري كلينتون وباراك أوباما، تسليماً بالهزيمة وتمهيداً لانتقال سلس للسلطة، تكشفان قوة النظام والحضارة هذين.

والحال أن الديموقراطية تجمع بين الضعف والقوة على نحو مدهش: ذاك أن في وسع ديماغوجيٍّ كدونالد ترامب أن يهدّدها، وفي وسع ديماغوجي كأدولف هتلر أن يُسقطها. لكن في وسعها أن تنتصر في حربين عالميتين، وأن تقضي تباعاً على إمبراطوريتين توتاليتاريتين مدججتين بالعبودية الحديثة، النازية والشيوعية.

ونشهد راهناً لعبة القوة والضعف وهي تستخدم مرادفات كثيرة في عدادها ما أسماه المؤرخ مارك ليلا ثنائية الأمل والحنين. ذاك أن المتمسكين بالديموقراطية والمعولين عليها يأملون بدخول المستقبل، مع ما يحف بهذه العملية من تحويل إلى الدارج والمألوف: كيف تتعادل في الحقوق المرأة والرجل، كيف يتغير وضع الفقير والمهمش، كيف تتقارب الشعوب بالتجارة والمثاقفة وتهزل الحدود الفاصلة بينها، وكيف تُخلط الأديان والقوميات والإثنيات في مصنع يُنتج الإنسان سلعةً أرفع من باقي السلع وأعلى من الأصول التي شكّلته؟

وهو أمل ينطوي على مغامرة كبرى، إذ لا الخلاص المضمون متوافر ولا الطرق إلى المستقبل معبّدة. وهذا ما يردّ عليه أهل الحنين بالعودة إلى الماضي، فعلياً كان أو متوهماً، والتمسك بالدارج والمألوف اللذين يُتهم الليبراليون والكوزموبوليتيون بالتآمر عليهما. هكذا يعد دونالد ترامب بـ «إعادة أميركا عظيمة» كما يعد أبو بكر البغدادي بـ «خلافة» رشيدة، بحيث يرجع كل شيء إلى ما يُفترض أنه حاله الأولى وما كان عليه: المرأة إلى بيت الطاعة، واللاجئ إلى حيث جاء، والقوميون إلى ينابيعهم وأسباب فرادتهم، والبيض بيض والسود سود، فيما بين البشر والبشر لا تعلو إلا الحواجز والجدران...

لكنّ الحنين لا يقل قوة عن الأمل، وأقوى أسلحته البرم بالحاضر وخفة الانجذاب إلى بديل. فحين يتبدى أن الذاهبين إلى المستقبل، على جناح الأمل، سيذهبون وحدهم، تاركين الملايين في البؤس، يتحول الحنين إلى طاقة تدمر الديموقراطية وتدمر الحضارة أيضاً.

 وهذا، بالضبط، ما حدث بعد سقوط «المعسكر الاشتراكي» وشعور النيوليبراليين بأنهم تحرروا من كل منافسة تُلزمهم باستحضار أفضل ما فيهم. عند ذاك بدأ تفكيك دولة الرفاه التي سبق أن أملاها التنافس مع الأنظمة الشيوعية، وتكشّف الجشع الذي جعله الثراء الهائل للعولمة فلكياً في أبعاده وقدراته وأرقامه، وصار في وسع نصّاب كبرلوسكوني أن يحكم بلداً كإيطاليا.

أما ترامب، الذي صوت له الفقراء البيض، فجاء بـ «برنامج» يخفض الضرائب عن الأغنياء. ومن طريق سيطرة حزبه على أكثرية المجلسين، النواب والشيوخ، سيحول المحكمة العليا مصدراً لتشريعات بالغة الرجعية في مسائل الأخلاق والجنس والدين. بهذا، فإن معركة الأمل والحنين ستحتدم في ظل الرئيس الأميركي الجديد فيما تعز الأدوات التي تتيح خوضها بكفاءة وفاعلية.

لقد ظهرت الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا لتستدرك ضعف المسألة الاجتماعية في الفكر الديموقراطي، السياسي والدستوري، بمقدار ما تستدرك ضعف الحس «الحُرّيّ» والديموقراطيّ في الفكر الاشتراكيّ. والبائس، اليوم، أن هذا العلاج، الذي يبقى بين أرقى ما أنتجته الأفكار السياسية، يعاني احتضاراً لا يشبهه إلا احتضار أحزابه.

وفي معمعة الأفكار والتكهنات الكثيرة، وفيما العقل مثخن بجراح القيم الساقطة التي أحرزت انتصاراً مؤزّراً في أبرز معاقله، يُرجح أن يعيش العالم أربع سنوات حاسمة جداً ومثيرة جداً من صراع الأمل والحنين، ومن طلب المستقبل والنكوص إلى الماضي، ومن قوة الديموقراطية وضعفها. لكنّ ما يمكن قوله بثقة أن توسيع قاعدة المستفيدين من الحاضر، أو تضييقها، يبقيان العنصر التقريري الأهم في المواجهة هذه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل هامش ترامبي الحنين مقابل الأمل



GMT 01:45 2023 الأحد ,17 أيلول / سبتمبر

واشنطن والجنون المختلف

GMT 00:15 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

الروس في أوكرانيا والروس في سوريا

GMT 00:18 2022 الجمعة ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ما الذي تريده إيران من واشنطن؟

GMT 00:12 2022 الجمعة ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الاحتجاجات الإيرانية وتواطؤ واشنطن

GMT 02:59 2022 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

أوباما... صحوة ضمير أم شيء آخر

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon