توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب وبعض العرب

  مصر اليوم -

ترامب وبعض العرب

بقلم : حازم صاغية

ظهرت أصوات عربية تعلّق على انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة الأميركيّة، فرأى أصحابها أنّ الأمر لا يعني العرب ولا ينعكس على قضاياهم. ذاك أنّ هذه الأميركا لا تعدو كونها تنافساً محموماً بين السيّء والأسوأ.

والتأويل هذا إنّما يفضي إلى نتيجة خطيرة مفادها أنّ المسائل التي لا تعني العرب ولا تنعكس على قضاياهم تشمل ما يلي: الموقف من المرأة ومن الدين ومن الجنس ومن اللجوء واللاجئين، ومن الهجرة والمهاجرين، ومن العنصريّة، ومن حرّيّات التعبير، ومن أشكال الحاكميّة وفصل السلطات، ومن تصوّر شكل العالم بانفتاحه أو انغلاقه، ومن العلاقات الاقتصاديّة والحروب التجاريّة، ومن تصاعد التطرّف والعنف، ومن دمار البيئة، ومن اتّجاهات السينما والفنون والإعلام ووسائط الإعلام الاجتماعيّ، ومن أخلاق السياسة وصورة السياسيّ، بل أيضاً من مستقبل العالم العربيّ نفسه بلداناً وشعوباً، مقيمين ومهاجرين ولاجئين...

فإذا كانت هذه المسائل وسواها لا تعني العرب حقّاً ولا تنعكس على قضاياهم، يشجّعهم على ذلك بعض أقصى اليسار الغربيّ، كانت الخلاصة الكارثيّة أنّ قضايا العرب مزعومة وبائدة، لا تؤثّر بشيء ولا تتأثّر، وأنّهم هم أنفسهم غير موجودين، وفي أحسن أحوالهم، زائدة طفيليّة على هذا العالم.

وهذا بالتأكيد غير صحيح، إلاّ أنّه النتيجة المنطقيّة التي تُبنى على ما يقوله بعض فرسان الدفاع عن العرب والعداء لأميركا.

هكذا، مثلاً، يقال أحياناً أنّ لا فارق بين باراك أوباما وترامب، أو بين هيلاري كلينتون وترامب، وأنّ لا جديد بالتالي تحت الشمس، علماً بوجود فوارق بعضها فلكيّ في ما خصّ العناوين المذكورة أعلاه. لكنّ ما يُحسّ ويُلمس، بطرق مختلفة، في سائر بقاع الأرض، لا أثر له في العالم العربيّ وحيال قضاياه!

إلاّ أنّ أصحاب الفرادة يحفرون بأيديهم قبر فرادتهم. فالذي لا يلاحظ الأثر الكبير الذي يتركه العالم عليه يفوته أيضاً أثره الصغير على هذا العالم نفسه. ذاك أنّ ما يجري إغفاله وتفويته هنا هو بالضبط فكرة العلاقة بين طرفين، بما تنطوي عليه دائماً من تبادل في التأثّر والتأثير. وهذا، والحقّ يقال، إنّما هو الوجه الآخر للترامبيّة، أو أنّه قفاها، حيث العالم عديم العلاقات، ينبغي أن تفصل الجدران بين أطرافه، وأن تُطرد أعداد من بشره من الأمكنة التي تقيم فيها، إذ الشراكة في علاقة جامعة لا تشبه إلاّ العدوى ولا ينجم عنها إلاّ الأذى.

وتتمّة هذا المنطق هو ما يقوله هذا الوعي الكونكريتيّ في صيغة أخرى: إنّ ترامب يستحقّ الشكر على كشفه «حقيقة» أميركا التي كان أوباما وكلينتون يموّهانها بالخداع. وهذا، بدوره، يوازي ما قد يقوله أيّ ترامبيّ أميركيّ «أصيل» من أنّ أسامة بن لادن وأبا بكر البغدادي يستحقّان الشكر على كشفهما «حقيقتنا» نحن العرب والمسلمين. فلنعجّل إذاً في قدوم الكارثة التي تسرّع الانكشاف الكامل للحقائق!

والبائس أنّ هذه اللغة مرشّحة للازدهار مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض: حقائق جوهريّة مزعومة تصف شعوباً وجماعات وأدياناً بكاملها، وعلاقات مسمومة ليس فيها ما يستحقّ الرعاية والاهتمام إلاّ ردّ العنف والأذى المترتّبين عليها. والأمر الأرجح هو أن تخترق هذه النظرة دواخل كلّ واحد من المجتمعات فلا تبقى محصورة بين جماعتين أو مجتمعين.

حينذاك يسطع النور بعد طول ظلمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وبعض العرب ترامب وبعض العرب



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon