توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حلب وتأصيل الشرّ

  مصر اليوم -

حلب وتأصيل الشرّ

بقلم : حازم صاغية

روسيا. إيران. بشّار الأسد. حزب الله وأبو الفضل العبّاس. المجمّع القوميّ - اليساريّ.

هؤلاء هم الذين قتلوا ويقتلون المدنيّين في حلب. هؤلاء، حتّى لو صدّقنا روايتهم للأحداث عن مكافحة الإرهاب، وعن صدّ المؤامرة، يطالبوننا بالكثير من الغباء كي نصدّق علاجهم الهمجيّ عبر التطهير السكّانيّ والهندسة الاجتماعيّة.

الغرب، الأميركيّ والأوروبيّ، ضالع؟ نعم، في حدود أنّه، في كبوته الديموقراطيّة الراهنة، لم يقدّم للسوريّين الدعم الذي كان ينبغي تقديمه. لكنّ هذا الغرب المقصّر لم يشارك في أعمال الذبح، ولم يقدّم لها التبرير، ولم يحتفل بها.

ضعف الغرب مقلق وخطير. قوّة هؤلاء هي المقلقة والخطيرة. هذان بعض ما كشفته مأساة حلب ممّا يستحقّ أن يُبنى عليه للمستقبل.

وهؤلاء، جزّارو حلب، هم إيّاهم كما عرفناهم من قبل بوجوه أخرى. لكنّ العجب العجاب أنّهم كلّهم كانوا ذات مرّة مثار إعجاب بعضنا. حتّى مؤيّدو الثورة السوريّة كان بينهم من يُكنّ لهم الإعجاب، ويفسّرون أفعالهم بالصدف الغريبة:

حزب الله كان حزب مقاومة لإسرائيل ثمّ انقلب حزب عدوان على السوريّين.
روسيا كانت الاتّحاد السوفياتيّ، صديق الشعوب الصدوق، وانقلبت إلى حمم تصبّها السماء على رؤوس السوريّين.

نظام إيران كان نتاج الثورة على الشاه وعلى الإمبرياليّة، إلاّ أنّه انقلب مصدر قتل للسوريّين ودعم لقاتلهم.

الحركات الشيعيّة الراديكاليّة كانت حركات مظلوميّة وقهر، ثمّ انقلبت حركات ظلم وعدوان.

المجمّع القوميّ - اليساريّ كان يسعى، وفق زعمه، إلى «تحرير فلسطين» و «الوحدة» و «الاشتراكيّة»، ثمّ انقلب مروّجاً لـ «تحرير حلب» ومهلّلاً له.

هل يعقل أن يكون هؤلاء كلّهم تغيّروا بسبب انقلابات طاولت أدوارهم؟ ألا تصير الصدف حين تتكرّر بهذه الكثرة قانوناً؟

ما تزعمه هذه الأسطر أنّ ما من انقلاب حصل في الأدوار، وأنّ تلك الأرحام خبّأت دائماً هذه الغيلان. الطبيعة واحدة وثابتة، والظروف المحيطة وحدها المتحوّلة. أمّا عدم إدراك الضحايا هذه الحقيقة فيضاعف المأساة ويضيف إلى الموت الجهل بأسبابه، فيجعله موتين.

أغلب الظنّ أنّ ترتيباً كهذا سيكون أدقّ من منظومة الوعي السابق - الحاليّ:

القوى المذكورة أعلاه يجمع بينها أنّها ضدّ الحرّيّة. حين كانت تقول «الاستعمار» كانت تقصد الحرّيّة والتواصل الحرّ مع العالم. حين كانت تقول «التحرّر» و «المقاومة» كانت تقصد إضعاف أو إخضاع جماعة أخرى في مجتمعها.

من الاتّحاد السوفياتيّ إلى روسيا بوتين، ومن الخميني إلى خامنئي، ومن تدمير لبنان وإلحاقه بإيران باسم مقاومة إسرائيل إلى تدمير سوريّة وإلحاقها بإيران، ومن الاعتداد بعبد الناصر - الذي كان الأصرح، منذ 1954، في رفضه الحرّيّة - إلى النوم تحت حذاء بشّار الأسد، ثمّة استمراريّة لا تنقطع إلاّ في الشكل والتعبير. أمّا المضمون فواحد: ضعف التكوين الديموقراطيّ عند هذه القوى، أمس واليوم، وانعدام التطلّب الديموقراطيّ.

هذه الخديعة الإيديولوجيّة التي آن أوان التحرّر منها هي التي دُشّنت مع زعماء مناهضة الاستعمار حين غُضّ النظر عن ارتكاباتهم بحقوق الإنسان. مذّاك والخديعة تشتغل بهمّة تتعاظم وأسماء تتغيّر. لقد اكتسبت الخديعة هالة القداسة ووُصم الذين لا ينخدعون بالخيانة والضلال.

الاتّحاد السوفياتيّ الذي سلّح أنظمتنا العسكريّة، إيران، حزب الله، جمهور الكتلة القوميّة - اليساريّة لم يتغيّروا. الحرّيّة التي كرهوها سمّوها أسماء شتّى، وطوّروا أنفسهم ضدّيّاً حيالها وحيال القوى التي تحملها أو ترمز إليها. أمّا البندقية فيمكن لفوهتها أن تستدير في أيّ اتّجاه لأنّ الحرّيّة تقيم في الاتّجاهات كلّها، وتُذبَح في الأمكنة كلّها، وآخر الأمكنة وأهمّها وأشدّها ملحميّة: حلب.

المصدر : صحيفة الحياة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب وتأصيل الشرّ حلب وتأصيل الشرّ



GMT 10:53 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

الذهنية الطائفية

GMT 11:14 2024 الأحد ,11 آب / أغسطس

فى انتظار الحرب الإقليمية!

GMT 03:09 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

وتُقَدِّرونَ فتضحك الأَقدارُ... إيران وإسرائيل

GMT 03:07 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

GMT 03:43 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

رد أميركي خدم الإيرانيين

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon