توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في ما خص الغرب والاستعمار والحروب الأهلية

  مصر اليوم -

في ما خص الغرب والاستعمار والحروب الأهلية

بقلم: حازم صاغية

ما كادت المدافع تسكت بين الأرمن والأذريين، حتى اندلعت حرب جديدة في إثيوبيا بين السلطة المركزية و«جبهة التحرير الشعبي في تيغراي»، وبدا أن مسألة الصحراء الغربية مهددة بالاشتعال مجدداً، انطلاقاً من معبر الكركرات، فيما كان العالم يواجه، مرة أخرى، مصاعب التغلب على النزاع الليبي. في هذه الغضون، زار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، شمال قبرص، فتوسعت رقعة المخاوف: فحلول إردوغان في مكان ما إنذار بالأسوأ، تبعاً لنزوعه الإمبراطوري المتضخم، وبدورها فتلك الجزيرة المتوسطية الصغرى أعطت العالم، منذ حربها عام 1974، اسم «القبرصة».
هذه الحالات وغيرها كثيرة اليوم، يجمع بينها، على اختلاف في التفاصيل، عدد من المواصفات:
أولاً، حدة مسألة الهوية، دينية كانت أم طائفية أم إثنية، وتَغذّى أكثرها على تفاوت في توزيع الثروة مصحوب غالباً بالفساد.
ثانياً، المداخلات الدولية، إنْ مباشرة أو مداورة، إما دفاعاً عن مصالح قائمة أو سعياً وراء مصالح ممكنة.
ثالثاً، الصدام بين نزعة مركزية دمجية ونزعة انفصالية محتقنة. النزعتان تنهلان من تاريخ عريق تشوبه المشاعر والتنميطات العدائية المتراكمة.
رابعاً، أن العالم، بعد الحرب الباردة، أقل حرصاً على صون الخرائط والحدود المرسومة. حروبه الأهلية لم يزد عددها فحسب، بل صارت أيضاً أقل انضباطاً بأهداف سياسية واعتبارات جيو سياسية مُلزمة، وبالتالي أصعب على الحل وأكثر قتلاً للمدنيين.
الأسباب أعلاه قابلة لأن تُجمع تحت عنوان أكبر: ضعف مسألة الدولة والتشكل الوطني في هذه البلدان.
والحال أن نوازع الانقسام والاحتراب ليست حكراً على تلك البلدان ومثيلاتها. إننا نراها، مثلاً لا حصراً، في بلدان كثيرة، بعضها أوروبي كإيطاليا وإسبانيا وآيرلندا. الفارق أن البلدان التي حصلت على درجة بعيدة نسبياً من الاستقرار تعرضت لعوامل أخرى وازنت بها عوامل التفتيت. فلنسترجع بعض التجارب «الكلاسيكية» المعروفة:
إيطاليا مثلاً عرف نصفها الشمالي ثورة صناعية جبارة بعد الوحدة، خصوصاً بين 1897 و1913: سيارات في تورينو، معامل صلب في إلبا وجنوا... ثم بعد الحرب العالمية الثانية انطلقت الهجرة الداخلية الضخمة من الجنوب شمالاً: أكثر من مليونين استقر معظمهم في المناطق الصناعية. كذلك، نشط على صعيد وطني حزبان عابران للمناطق، هما المسيحي الديمقراطي والشيوعي، وإن تركزت قوة الأول في الجنوب، والثاني في الشمال. اختيار الديمقراطية البرلمانية منذ 1945 امتص بعض النزاعات ونقلها إلى المؤسسات. دور النخبة الثقافية والفكرية كان حاسماً في توكيده على الوحدة الإيطالية.
الهند تنطق بعشرين لساناً، فضلاً عن مئات اللغات الصغرى، وهي تنقسم إلى ألفي جماعة إثنية غالباً ما تتقاطع واحدتها مع موقع طبقي ما، فضلاً عن أن سكانها يدينون بسائر الأديان، وإن كان التنازع الهندوسي - الإسلامي عنوانها الديني الأبرز. لكن الهند هي أيضاً البيروقراطية الكفوءة التي أسسها الحكم البريطاني، والمعروفة بـ«الخدمة الإدارية الهندية»، ومعها شبكة سكك الحديد التي تُعد اليوم الرابعة حجماً في العالم. الهند أيضاً هي النظام الديمقراطي البرلماني والعمل الحزبي على نطاق وطني. «حزب المؤتمر»،ش على رغم تراجعه الهائل في السنوات الأخيرة، أسس، منذ نشأته في 1885، وطنية صلبة.
اليابان ليست بلداً مرشحاً للانقسام، لكنها معروفة برابطتها القرابية، وبالآثار السلبية التي تتركها على الحياة السياسية، وعلى الحياة الاقتصادية من خلال الشركات الضخمة المملوكة عائلياً (زايباتسو). في المقابل: اليابان هي حيث بلغ الاحتلال الأميركي أبعد درجاته التدخلية في حياة السكان، ومن ضمن ذلك وضع دستور ماك أرثر. اليابان أيضاً ديمقراطية برلمانية وحزب عمل على مدى وطني، هو «الليبرالي الديمقراطي». وهي أيضاً، مثلها مثل الهند، انفتاح بلا تحفظ على التقنية ونمو لجماعات «بيزنس» ناشطة وكبيرة.
الأمر ليس سحراً بالتأكيد، وبعض هذه البلدان قد تجرفها النزاعات أيضاً. لكنْ يبقى أن التجارب المذكورة وسواها تمنح مناعات مضادة لنزعات التفكك واحتمالات لتصويب الخلل. هذه المناعات هي بالضبط نتاج التأثر بالثمار التي طرحتها واحدة أو أخرى من الثورات التي عاشها الغرب ولم نعشها (الثورة الصناعية، الثورة السياسية، التنوير، الإصلاح الديني إلخ...). تلك الثورات سمّاها المؤرخ المغربي عبد الله العروي «ثورات مُفوتَة» لدينا. ما زاد في تفويتها أن النزاع السياسي مع الغرب فاض وأصبح نزاعاً ثقافياً أيضاً. هذا كله قبل الانتكاسة الشعبوية في الغرب نفسه، المرفقة بالانكفاء على الذات وبالارتداد على التنوير وعلى وحدة الدولة والمجتمع.
هكذا بات مطلوباً تقليل الحضور الغربي في حياة هذه المجتمعات، لأن الغرب لم يعد يعني إلا الاستعمار (الذي رحل قبل عقود). في حالة بلد كإثيوبيا قد يغدو المسرح الدموي المقبل، لم يعرف ذاك البلد الاستعمار أصلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خص الغرب والاستعمار والحروب الأهلية في ما خص الغرب والاستعمار والحروب الأهلية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon