توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في «أسباب» جبران باسيل...

  مصر اليوم -

في «أسباب» جبران باسيل

بقلم: حازم صاغية

يسير جبران باسيل مُظلّلاً بالسخرية. لا بأس. لكنّ السخرية كثيرة فيما التحليل قليل.

الظاهرة الباسيليّة، في الأحوال كافّة، تستدعي التحليل أكثر مما تستدعي السخرية التي يأتي بعضها من مناهضة فعليّة للعنصريّة كما يصدر بعضها عن مواقع طائفيّة أو حزبيّة أخرى. ووزير خارجيّة لبنان أخطر من أن يتجاهله التحليل، وأن يتولّى التشهير تنفيس الغضب عليه. الغضب هذا ينبغي عدم تنفيسه.

إلى ذلك، لم تعد السخرية الشخصيّة في زمن الصعود الكوني للشعبويّة تعني الشيء الكثير. ذاك أنّ القادة الشعبويين في مشارق الأرض ومغاربها لا يملكون من المواصفات الشخصيّة ما يفضل المواصفات التي يملكها السيّد باسيل. هذا يعني أنّ كثرة عرْض التفاهة تخفض الطلب عليها. إنّ المخازن باتت تمتلئ وتفيض بتلك السلعة الشائعة.

والحال أنّ الزعيم الشعبويّ، وطبعاً الزعيم الفاشيّ، يُغريان بالشتيمة لأسباب شتّى، خصوصاً منها ذاك الانتفاخ بالأنا الزائفة لديهما. لهذا تبدو مقاربتهما بالكاريكاتير عنصراً ملازماً لمعارضتهما. إلاّ أنّ المعارضة ليست الكاريكاتير ولا أنماط الهجاء الأخرى.

فأوّل الخطورة في باسيل أنّه ليس «شخصاً» هبط علينا من السماء، بل تعبير عن حالة عريضة نشأت على الأرض سنة بعد سنة، واستمدّت معناها مما يتحرّك فوق الأرض. ذاك أنّ المنطقة، وفي عدادها لبنان، تعيش طوراً جيولوجيّاً على صعيد سيولة السكّان والحدود. وتحوّلات كهذه، من عيار جيولوجيّ، هديّة ثمينة لهذا الصنف من القادة الذين يزدهرون بتسويق الخوف من الحاضر والقلق حيال المستقبل. إنّ المراحل الانتقاليّة خير حليف للشعبويّات على أنواعها. الآيديولوجيا، والحال هذه، تغدو الويل والثبور: إنّ الأرض تميد بنا لأنّها من صلصال. الحدود لا تحدّ والأبواب لا تحمي، فيما الحشود ورؤوس الكثرة تحطّم الديموغرافيا وتلغي ضماناتها.

إذاً: ابدأوا البكاء. الأخبار المرعبة لا بدّ أن تصل إليكم بعد قليل.

نعرف أنّ ما فعله بشّار الأسد بترحيله نصف مواطنيه من بيوتهم، ورُبعهم من بلدهم، وما فعله «داعش» حين دمج سوريّا والعراق، ليسا حدثاً بسيطاً أو عادياً يحصل كلّ يوم. فإذا عطفنا ذلك على المفاعيل النفسيّة والجمعيّة التي لازمت هذين التطوّرين الضخمين، وشيوع رواية «حزب الله» عن حشود التكفيريين التي تتهيّأ للإطباق علينا من وراء الحدود السورية المخلّعة، فهمْنا استثمار باسيل في الخوف والقلق، والأرباح السياسيّة الضخمة التي يدرّها هذا الاستثمار عليه.

نعرف أيضاً أنّ خرافيّة العنصريّة لا تنفي عثورها في الواقع الفعلي على موادّ تسندها، وهذا ما تعزّزه بتأويلها له على نحو تحريضيّ. وبالطبع فانفجار السكّان وتلاشي الحدود واقع كثيف الحضور وكثير الأبعاد، وهو بالتالي شديد القابليّة للتحريض.

نصف الحقيقة الآخر أنّ هذه الجيولوجيا المتفجّرة تهبط على سوسيولوجيا متفجّرة أصلاً. إنّها مشكلة أقلّيّات مزمنة ومحتقنة في المشرق العربيّ، لا سيّما في لبنان. لهذا تغدو مسألة العدد وانقلاب التوازنات العدديّة أهمّ ما تتداوله ثقافة الخوف وأكثر ما يروّجه الوعي العنصريّ.

لقد تولّى الأسد ترويع الأكثريّة وتولّى «داعش» ترويع الأقلّيّات. ومن موقعَي الخصومة، اشتغل التوحّشان لإنجاز هدف واحد: جعل الاجتماع السوريّ، والمشرقي تالياً، أقرب إلى كابوس. إنّ الآخر بات فعلاً جحيم الآخر.

أغلب الظنّ، فوق هذا، أنّ انتصار الثورة المضادّة في المنطقة، وفي سوريّا خصوصاً، سوف يزيد في تأزيم الأزمة ويقلّص فرص التعامل المفيد مع هذا الاجتماع المتصدّع بطرفيه الأكثري والأقلّيّ.

وظيفة الباسيليّة، هنا، تسميم ما لم يُسمم بعد من وعي أقلّيّ: إخراج مسألة الأقلّيّات من البرنامج الديمقراطي وإدراجها في برنامج شعبوي وعنصريّ. وهذا، بالمناسبة، ما يتعدّى الشخص نفسه إلى «جماهيريّة» ذات استعداد شعبي متنامٍ لأن تتلقّفه وتعثر في التاريخ على «براهينه» العديدة.

ظروف السنوات الماضية جاءت، هي الأخرى، مكافأة لانقلاب نفّذته العونيّة ونجحت فيه: لقد صارت، هي أيضاً، «حركة تحرّر وطنيّ» تضع المسيحيين في مواجهة كلّ خياراتهم التقليديّة حيال المنطقة وصراعاتها وحيال العالم وتحالفاته. أمّا الاحتجاب والتعثّر الغربيّان، كما شهدتهما السنوات الماضية، فخير مُشجّع على الانقلاب المذكور.

لكنّ ذلك لا يلغي أنّ الباسيليّة تبقى مداواة للواقع بالوهم، مداواة تعظّم أسباب المشكلة نفسها فيما هي تزعم اقتراح حلّ لها. فإذا كان من مصادر التأزّم التاريخي للمسيحيين شعور بفقدان التأثير على قرار الحرب والسلم، حلّت العونيّة والباسيليّة المشكلة بالالتحاق بـ«حزب الله»، أي الطرف الذي احتكر وحده هذا القرار، وكان إخلاله بالحدود علّة وجوده الأولى. وإذا كان توتير المناخ العامّ هو الطريق الذي اختير لـ«تحصيل حقوق المسيحيين»، بتنا أمام نزعة انتحاريّة لا تُسعفها معطيات الواقع في شيء.

وهذا، في آخر الأمر، خطير جدّاً يطال حياة البشر والأوطان، كما يطال اشتغال العقول والأفكار، فضلاً عن العواطف والأهواء... إنّ السخرية، والحال هذه، لا تسمن ولا تغني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في «أسباب» جبران باسيل في «أسباب» جبران باسيل



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon