توقيت القاهرة المحلي 16:48:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مساجد وكنائس فيما العنصرية بالمرصاد

  مصر اليوم -

مساجد وكنائس فيما العنصرية بالمرصاد

بقلم: حازم صاغية

في حقبة الممالك الأندلسية، ابتداءً بالقرن الثامن، أقيمت مساجد عدة في إسبانيا. مع اكتمال «إعادة فتح» شبه جزيرة إيبيريا، أواخر القرن الخامس عشر، بدأ تحويل الكثير منها إلى كنائس.

مع فتح القسطنطينية في 1453، انطلقت عملية تحويل الكنائس التركية إلى مساجد. أولى الكنائس التي حُوّلت وأعظمها كانت أيا صوفيا الشهيرة (جُعلت بعد ذاك متحفاً).

في الحالتين، وفي حالات أخرى، كان الغزو هو الموضوع قبل الدين، وكان توطيد السلالة الحاكمة يتقدّم على العقيدة. لكنّ العالم حينذاك كان يقرأ نفسَه بموجب الدين، وبموجب الدين كان يتعقّل الآخر. هكذا بدأ تغيير مراكز العبادة تعبيراً تلقائياً عن انتصار جماعة تعتنق ديانة ما على جماعة تعتنق ديانة أخرى، وعن توسّع سلطة وانكماش سلطة أخرى.

ثمة من يريد إعادتنا إلى تلك الأزمنة، وثمة من يتطوّع مقدّماً الذرائع لأولئك.

مناسبة هذا التذكير تحقيق صحافي كتبه الزميل العراقي محمد خلف (ونشره موقع «درج» الإلكتروني) عن شراء جاليات مسلمة في أوروبا، وخصوصاً ألمانيا، كنائس ومراكز دينية مسيحية لتحويلها إلى مساجد. والحال أنّه في 2015 كنّا سمعنا بأوّل انفجار كبير ينجم عن عمل كهذا: لقد اشترى مركز إسلامي في ألمانيا كنيسة كابرناوم في مدينة هامبورغ ثم حوّلها إلى مسجد. القيامة قامت.

مسألة كهذه ذات أوجه عدّة تتفاوت وتتقاطع معاً.

من جهة، بديهي أن يكون للمسلمين في أوروبا، كما لأي جماعة دينية في أي بلد، الحقّ في إنشاء مراكزها للعبادة. هذا حقّ لا يُمارى فيه. إنّه ما ينبغي التوكيد عليه، خصوصاً بعد أعمال إرهابية وعنصرية ضدّ المسلمين ومساجدهم بلغت ذروتها الوحشية في نيوزيلندا، ورأيناها على نطاق أضيق في برمنغهام ببريطانيا وفي كاليفورنيا والنروج... هذا كي لا نشير إلى المعلومات التي باتت شبه مؤكّدة عن هدم مساجد في الصين. لقد صار من تحصيل الحاصل القول إنّ المسلمين مستهدفون من إرهاب التنظيمات المتطرّفة ومن الإرهاب الرسمي في آن معاً.

من جهة أخرى، قد يرى علماني أوروبي معتدل أنّ الإفراط في بناء المساجد ينطوي على تفارُق غير محمود، وهذا لا يعود بالضرورة إلى موقف سلبي من الإسلام أو من بناء مسجد. إنّه يعود إلى أنّ أوروبا التي كانت مسيحية لم تعد كذلك. كثيرون، وبأرقام متعاظمة، يهجرون الوعي والممارسة الدينيين وتأويل العالم انطلاقاً مما تقوله الكنيسة. هذا هو السبب الأهم والأبرز في إغلاق الكنائس أو بيعها أو تأجيرها، على ما نشهد منذ عقدين على الأقل، خصوصاً في ألمانيا. لهذا يبدو «ملء الفراغ» الذي يخلفه غياب مئات الكنائس بإقامة المساجد عملاً غير مُستحب. إنّه، في عرف هؤلاء، تثبيت لحقبة ولوعي يريدون هم أن يغادروه.

هذه البيئة النقدية نفسها هي التي يخرج من أوساطها أكثر المتعاطفين مع اللاجئين والمهاجرين، وأكثر الراغبين في الانفتاح على الآخر، على ثقافاتهم وتواريخهم، وعلى ابن خلدون وابن رشد أو الغزالي أو سواهم ممن يمكن للهجرة الإسلامية أن تعرّف بهم.

لكنْ، من جهة ثالثة، تتبدّى خطورة هذه المسألة عند التذكير بصعود اليمين القومي والشعبوي في بلدان أوروبا الذي يستهدف المسلمين، فضلاً عن اليهود. صحيح أنّ العنصرية ليست بحاجة إلى الذرائع، إلا أنّها لا تهمل الذرائع حين تتوافر. العنصريون اليوم يتذرعون بإقامة المساجد، وبرمزية حلولها محل الكنائس، وبعددها المتكاثر، كي ينشروا الخرافات عن «أسلمة أوروبا»، وكي يكسبوا شعبية أكبر تعطيهم موقعاً أفضل في الحياة السياسية. التحريض الروسي، على تعدّد أشكاله، يصب في هذه الخانة. يصبّ فيها أيضاً التذكير المتواصل بتراجع نسب الولادة في بلدان أوروبا، ما يعني أنّ «المسلمين الذين يتكاثرون سوف يأكلوننا». يصبّ كذلك استحضار المواضي، أي أزمنة الغزو التي كان يصاحبها تحويل دور العبادة تبعاً لهوية الغازي. الإسلاميون والفاشيون الغربيون يتقاسمون هذه المهمة. وأخيراً، دائماً ثمة من يذكّر بلحظات كالحة تعطّلَ فيها التواصل، وخصوصاً بفتوى الخميني في 1989 بحق سلمان رشدي. البعض يرى أنّ هذه الفتوى افتتحت أزمة الهوية كمشكلة معولَمة، سيما وأنّ أفراداً مسلمين «يعيشون بيننا» كانوا وسائط الفتوى وأدواتها.

هكذا يترافق مع إقامة مسجد ما ظهور منشورات وملصقات تحريضية حيث يقام المسجد. المنشورات والملصقات قد تحمل رسم الصليب النازي المعقوف وعبارات تتحدّث عن الغزو والأسلمة.

إنّ المسلمين الذين يقلدون الأزمنة السحيقة أوّل من يتضرّر في الزمن الراهن. فأوّلاً، ينحسر الموضوع الأساس الذي هو موضوعهم، أي القانوني والاقتصادي - الاجتماعي، فيما يتمدّد موضوع زائف هو «صراع الحضارات» والهويات. وبديهي أنّ اللاجئين والمهاجرين المسلمين لا يستطيعون في بلدان الهجرة أن يكسبوا معركة كهذه. وثانياً، وبما أنّنا نعيش راهناً زمن الصعود الشعبوي والقومي، وينتعش الكلام عن القلاع والحصون ومعه العداء للاجئين والمهاجرين على أنواعهم، ينبغي التحلي بأعلى حسّ بالمسؤولية - المسؤولية حيال النفس قبل أن تكون حيال الآخر.

إنّنا، هنا، بإزاء ما يمكن وصفه بوضع «فوق دستوري» و«فوق حقوقي» لأنّ العنصرية بالمرصاد، وحياة البشر أنفسهم قد تغدو على المحك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مساجد وكنائس فيما العنصرية بالمرصاد مساجد وكنائس فيما العنصرية بالمرصاد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon